أي فتوى هذه وأي مفتين هؤلاء؟
بلال حسن التل
08-09-2009 12:00 AM
حكومات تشن حرباً شاملة على الاسلام عبر سن القوانين واصدار التعليمات
الدراما أحد أهم أسلحة الحرب على الاسلام وإشغال المسلمين عن واقعهم
فتوى سعودية وأخرى مصرية لتشجيع الناس على إفطار رمضان
هل التجمعات الاسلامية وحدها التي تسبب انفلونزا الخنازير ؟
من مزايا رمضان أنه يكشف المستور في كثير من الأحيان. رغم ان الصيام في الأصل عبادة سرية لا يعلم بحقيقتها الا الله والصائم. بعكس الصلاة التي تقتضي حركات علنية كما يفضل أداؤها جماعة. وبعكس الحج الذي يقتضي الانتقال من مكان إلى آخر. مثلما يقتضي ملابس معينة. وسط حضور كثيف وبعكس الزكاة التي تقتضي التواصل مع آخرين سواء من مستحقي الزكاة أو العاملين عليها.
رغم خصوصية العلاقة بين الصائم وربه. غير ان شهر الصوم صار في زمننا هذا شهراً فضاحاً، يفضح الكثير من أخلاقنا ومن سلوكياتنا ومن مفاهيمنا. غير أن أخطر ما يفضحه رمضان في زمننا هذا، هو حجم الحرب الشاملة التي تشن على الاسلام والمسلمين. وهي حرب تشارك بها دول وحكومات، وجمعيات وجماعات. وأكثرها خطراً على الاسلام تلك الدول والحكومات والجمعيات والجماعات التي تدعي انها مسلمة. وانها حريصة على الاسلام. ولكنها تهدم أسس الاسلام، أو تصمت على من يفعلون ذلك. هذا إن لم تشجعهم أو تدعمهم وتسهل مهمتهم خاصة في رمضان حيث تأخذ الحرب على الاسلام صوراً كثيرة وعديدة. لعل أبرزها حرب الدراما التي صار رمضان موعداً سنوياً مضروباً لها. باعتبارها واحدة من أهم الأسلحة المستخدمة في الحرب ضد الاسلام.
وحتى لا يتهمنا أحد بالمبالغة، نحب ان نذكر بأن الدراما صارت الآن من أهم مجالات التنافس بين الدول. وبل واسلحتها التي تستخدمها في صراعها مع الآخرين ويكفي أن نذكر بموقف حلفاء حفر الباطن من الدراما الأردنية، وقرار حصارها ومقاطعتها عقاباً للأردن على موقفه من العدوان على العراق الشقيق ورفضه للتدخل الاجنبي في شؤون أمتنا.
كما عشنا خلال السنوات الأخيرة حالة الصراع والحرب الطاحنة، بين ما سمي بالدراما المصرية والدراما السورية. والتي وصلت إلى مرحلة كسر العظم. رغم كل ما قيل ويقال تكاذباً عن التكامل الفني العربي وعن الأخوة العربية.. إلى آخر العبارات الزائفة. فما كان يجري في الكواليس ووراء الأبواب يختلف عن ذلك تماماً. ولم تقتصر المشاركة فيه على الفنانين والمنتجين. بل وصل الأمر إلى تدخل رؤساء دول وحكومات ووزراء صار بعضهم مندوب مبيعات للدراما في بلده. فقد صارت الدراما عنصراً من عناصر الحضور السياسي. ولذلك فإن دولاً كثيرة تهدي انتاجها الدرامي إلى محطات تلفزيونية مع دبلجتها في كثير من الأحيان لبثها عبر شاشات هذه المحطات. في سبيل تحقيق الحضور السياسي ونشر ثقافة ومفاهيم تلك الدول. بل إن سفراء دول كبرى يتدخلون عند بث مواد درامية لمنعها. كما يتدخلون أحياناً أخرى لفرض بث مواد أخرى.
كما صارت الدراما عنصراً من عناصر الانتاج الاقتصادي. الذي تنفق فيه مليارات الدولارات التي توفر فرص عمل وتحقق اضافة للانتاج القومي.
قبل ذلك كله. وبعده فقد صارت الدراما من أهم أسلحة بناء القيم والمفاهيم. والتأثير على المواقف. لذلك لاحظنا خلال السنوات الماضية انتاجاً درامياً إذاعياً وتلفزيونياً وسينمائياً حول ما يسمى بالارهاب، والأصولية، والتعصب. وهو إنتاج صرفت عليه دول من خلال شركات.
ليس هذا مجال حديثنا في هذا المقال لكن ما علاقة ذلك كله برمضان وبالحرب على الاسلام؟.
٭ والجواب هو هل هي الصدفة وحدها، التي دفعت كل هذه الشركات الانتاجية، المتعددة الجنسيات والهويات والمستويات والملكيات تجتمع وتُجمع على ان رمضان هو شهر المسلسلات وبرامج المسابقات والحوارات مع الفنانين والفنانات؟.
٭ وهل رمضان التوقيت المناسب، لعرض مسلسلات تتحدث عن السّير الذاتية للمطربين والمطربات، والراقصين والراقصات، وإجراء حوارات مكثفة مع المطربات والراقصات والممثلات؟ أم أن المقصود تحويل هؤلاء إلى نماذج وقدوة لشباب الأمة ورجالها ونسائها في إطار الجهد المحموم لتغيير منظومة قيم الأمة ومفاهيمها وخاصة تلك التي تنبع من الاسلام؟.
٭ ولماذا صرنا نلاحظ عاماً بعد عام تراجع نسبة المسلسل الديني والتاريخي في مجمل الانتاج الدرامي عموماً، وفي رمضان على وجه الخصوص، لحساب ارتفاع نسبة المسلسلات التي تتحدث عن الحشيش وسير الغانيات ومسلسلات الهلس والحورات التي تحرض على خدش المحرمات وفي رمضان بالذات؟.
٭ ومن هو الذي يخطط؟ سواء عبر حملات الإعلام التي تسبق رمضان، أو أثناء رمضان للترويج للمسلسلات التي صارت تسمى رمضانية لشد الناس إليها؟ وقبل ذلك الانفاق عليها والاصرار على عرضها في رمضان لإشغال الناس عن ما سواها من صلة الرحم وقيام الليل بالصلاة والتلاوة. وليقضوه بدلاً من ذلك متنقلين من مسلسل إلى مسلسل. ومن محطة إلى محطة. حتى ساعات الفجر الأولى. ليمضوا نهارهم بعد ذلك كسولين متثاقلين ليقال لنا ان رمضان شهر كسل وتثاؤب وعدم انتاجية.
عندي، إن ذلك كله لا يأتي عفو الخاطر. مهما سخر الساخرون من نظرية المؤامرة. فليس صدفة ان تتحد فضائيات وإذاعات، تتصارع على مدار العام إلا في رمضان حيث تتشابه سياساتها وبرامجها ومسلسلاتها. ومن أين يأتي المال الوفير لبعض الفضائيات البائسة لشراء هذا الكم من المسلسلات في رمضان لتشارك في إخراج الشهر من مضامينه ومعانيه وإلهاء الناس عن هذه المضامين والمعاني؟.
غير الدراما ومسلسلاتها ودورها في الهاء الناس عن مضامين رمضان ومعانيه. فهناك ما يسمى زوراً وبهتاناً بالخيم الرمضانية، رغم أن ما فيها من ممارسات لها صلة بأي شيء الا رمضان. فمن قال إن رمضان شهر الغناء والرقص؟. ومن قال إن رمضان شهر المقامرة؟. ولماذا هذا التساهل في ترخيص الخيم الرمضانية لمن هبَّ ودب؟.
إن الدلائل كثيرة على ان ما يجري هو جزء من الحرب الشاملة على الاسلام. من بينها الحملة الاعلامية على الموائد الرمضانية وعلى صلوات الجمعة والجماعة وتجرؤ البعض على الدعوة لمنعها بحجة الوقاية من انفلونزا الخنازير. وهي الدعوة التي وصلت إلى حد المجاهرة بالسعي لمنع العمرة والحج هذا العام.
فهل التجمعات من أجل العبادات الاسلامية وحدها التي تسبب انفلونزا الخنازير في حين ان التجمهر بخيم الرقص وبين سحب الحشيش والمعسل .. الخ ، لا تسبب انفلونزا الخنازير وغير انفلونزا الخنازير؟. وهل سوقُ الناس بالعصا لحشدهم في استقبال هذا الزعيم أو ذاك تحت لهيب الشمس لا يسبب انفلونزا الخنازير؟.
وهل وجود آلاف الناس في قاعة مغلقة للاستماع إلى هذا المطرب أو مشاهدة تلك الراقصة لا تسبب انفلونزا الخنازير. في حين يسببها إلتقاء بضع عشرات أو مئات على مائدة رمضانية أو في ازدحام ساحة مسجد لدقائق ؟!
ان الحرب على الاسلام ومحاولة تفريغ عباداته من مضامينها، بل وتشجيع الناس على التساهل بها تتعاظم يوماً بعد يوم. وقد صار يشارك فيها أصحاب عمائم وأصحاب مناصب رسمية بالإفتاء. فقد أفتى أحدهم بجواز افطار من ينقطع عنه التيار الكهربائي. أفليس في هذه الفتوى عجب عجاب؟ فمنذ متى أُكتشفت الكهرباء حتى يصير الصيام مقروناً بها. علماً بان مساحات واسعة من بلاد المسلمين لم تصلها الكهرباء بعد. فهل يجوز لهؤلاء جميعاً إفطار رمضان عملاً بالفتوى السعودية التي اطلقها العبيكان بجواز افطار من ينقطع عنهم التيار الكهربائي؟! وهل سنجد من يفتي بجواز افطار رمضان في أيام البرد والمطر؟.
غير الفتوى السعودية بجواز إفطار من ينقطع عنه التيار الكهربائي. هناك الفتوى المصرية بجواز إفطار لاعب كرة القدم. باعتبار كرة القدم من المهن الشاقة فأي تساهل بالدين هذا؟ وأي تشجيع للناس على عدم الالتزام بعباداته؟ وأي رجال فتوى هؤلاء الذين وصل التساهل عند بعضهم ان يخلع عمامته ليضع مكانها على رأسه قلنسوة راهب مسيحي ليدلل على تسامحه واقتناعه بالحوار الاسلامي المسيحي؟.
٭ وعلى ذكرى الفتوى والمفتين نتساءل عن سر هذا الاقبال الشديد من بعض الفضائيات على فتح باب الفتوى لكل من هبَّ ودبَّ، ولكل من يعلم شيئاً ولمن لا يعلم شيئاً. أفلا يدخل ذلك في باب الحرب على الاسلام. والسعي لتمييعه. والإساءة للمواقع الأدبية التي تمثله ومنها موقع الإفتاء وشروطه ومواصفاته. لإدخال الناس في فوضى تبلبل عليهم دينهم وعباداتهم. وتزيد من أسباب الخلاف بينهم؟ خاصة وقد رافق هذا التساهل مع مفتي الفضائيات تشدد ضد العلماء الجادين الثقات وسخرية منهم سواء عبر الكاريكاتير أو عبر مسخ شخصياتهم في الأعمال التلفزيونية والسينمائية. أو حتى ضرب عرض الحائط من قبل الحكومات بما يصدر عنهم من فتاوى؟.
ان دلائل الحرب الشاملة على الاسلام تتزايد يوماً بعد يوم. ولكن خطورتها انها صارت تنفذ بأيدي وعقول بعض المحسوبين على الاسلام. بل وبعض الذين يلبسون عمائم علماء المسلمين ويحسبون عليهم. وفي ظل هؤلاء تجرأت الحكومات على ان تتساهل في الحفاظ على حرمات العبادات. وخاصة رمضان. فصارت تسمح للخمارات والمرابع الليلية وللمطاعم ان تمارس نشاطها في رابعة نهار رمضان. وصار انتهاك حرمات الشهر الفضيل يتم على قوارع الطرق وفي المكاتب الرسمية وتحت أنظار رجال الشرطة ولا احد يحرك ساكناً.
لقد صار الاعتداء على محارم الله امراً عادياً في بلادنا. التي تمنع مكبرات الصوت في المساجد خوفاً من ازعاج الناس. ولا تمنعها من الملاهي والمرابع الليلية وصالات الافراح وخيمها. وكأن ذكر الله وحده هو الذي يزعج الناس أما الموسيقى الصاخبة والأصوات المنكرة التي تدعي الطرب فانها لا تفعل ذلك؟!.
ومثل منع مكبرات الصوت من المساجد صارت الرقابة شديدة على مصارف الزكاة وعلى المزكين. في حين تفتح أبواب البلاد على مصاريعها للتمويل الأجنبي، الذي يعيث في الأرض فساداً. وتقدم التسهيلات لجمع التبرعات لدعم هذا النشاط المشبوه أو ذاك النشاط الذي يتناقض مع كل مبادئ الاسلام وقيم الأمة. ثم تقولون لنا إنها ليست حرباً على الاسلام.
وليت أمر المساجد وقف عند حدود منع مكبراتها والسعي لمنع صلوات الجماعة فيها. فقد سبق ذلك الاصرار على إغلاقها الا في أوقات محددة. وسبق ذلك أيضاً الإصرار على منع الخطباء والمؤهلين والمفكرين الاكفاء عن صعود منابرها، التي تركت في معظم الأحيان للأميين وأنصاف الجهلة ولدعاة الفتن المذهبية قاتلهم الله. ثم تقولون إنها ليست حرباً على الإسلام.
بلى، إنها حرب على الاسلام أخطر ما فيها، أن حكومات تنص دساتير بلادها على ان دينها الرسمي هو الاسلام، وان الاسلام مصدر تشريعها الرئيس انخرطت في هذه الحرب المعلنة على الاسلام. فصارت تسن قوانين للتضييق على دعاته وحرماته وتمنعهم من الوصول إلى منابر الرأي، مساجد كانت هذه المنابر أم برلماناً أم ساحة عامة أم مسيرة ومهرجاناً. في حين يجري تشجيع كل ما عدا ذلك. بل والعمل على صناعات كيانات تناوئ الدعاة الحقيقيين للاسلام.
فوق سن القوانين والتشريعات التي تضيق على دعاة الاسلام. وتؤدي للحد من انتشار الاسلام ،وتمكين المسلمين من القيام بعباداتهم على أكمل وجه. فوق ذلك كله جرى ويجري تفريغ المناهج الدراسية وفي كل مراحل التعليم من مبادئ الاسلام ومضامينه. أو حصرها في أضيق حدود ممكنة. في الوقت الذي يجري فيه تغذية هذه المناهج بكل ما يناقض الاسلام وتعاليمه ثم تقولون إنها ليست حرباً على الاسلام والمسلمين.
رمضان يكشف الكثير من جوانب الحرب المعلنة والمستتره على الاسلام التي أعلنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. والتي صارت حكوماتنا جزءاً منها فهل ننتبه؟!.
اللواء.