رسالة احتجاج ملكية من بريد «بوخارست»
حسين الرواشدة
27-03-2019 01:14 AM
ألغى جلالة الملك زيارة رومانيا، فجاء الرد سريعا من الرئيس الروماني بالاعلان عن رفضه للتصريحات التي اطلقتها رئيسة وزرائه بنقل السفارة الرومانية الى القدس، رسالة الملك جاءت في وقتها تماما، وهي لم تصل كرسالة احتجاج ورفض الى بريد بوخارست فقط، وانما الى عواصم اوروبية واخرى عالمية، والاهم الى عواصمنا العربية والاسلامية، ومضمونها : لدينا اوراق سياسية يمكن ان نوظفها في معركتنا مع المحتل الاسرائيلي ومن يدعمه، ولا يجوز ان نقف عاجزين ونستسلم للواقع المفروض علينا.
صحيح ان الاردن يقف وحيدا بمواجهة هذا الصلف الاسرائيلي المدعوم من الرئاسة الامريكية، وصحيح ان العالم العربي يبدوا مشغولا بقضاياه الداخلية ولم تعد «فلسطين» تشكل لديه اولوية، هذا اذا افترضنا حسن النوايا وشطبنا (متعمدين ) من هواجسنا مبدا « التواطئ»، لكن الصحيح ايضا هو ان من نعم الله تعالى علينا ان الضمير الانساني لا يتحرك وفق الاتجاهات التي تحددها «بوصلة» ما يريده «ترامب» وما يقرره نتنياهو، ولا تبعا لمواقفنا العربية المخجلة.
امامنا فرصة ثمينة لمخاطبة العالم بقوة، فحركة الضمير العالمي تتصاعد نحو رفض ما تفعله اسرائيل ضد الفلسطينيين، قبل نحو عامين مثلا استدعى وزير الخارجية الاسرائيلي «ليبرمان» سفراء اربعة دول اوروبية (فرنسا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا ) للاحتجاج على «انحيازهم» للفلسطينيين، بعد ان طلبت هذه الدول من سفراء اسرائيل فيها ابلاغ حكومتهم
استنكارها للاجراءات «الاحادية» التي تمارسها تل ابيب فيما يتعلق بمواصلة الاستيطان في الاراضي الفلسطينية.
حالة الاحتجاج هذه ضد اسرائيل لم تتوقف عند حكومات الدول الاوروبية الاربعة وانما امتدت لتشمل مؤسسات وجمعيات مدنية في امريكا واوروبا، فقد سبق ان استدعت اسرائيل السفير الهولندي للاحتجاج على «قرار» صدر عن صندوق التقاعد الهولندي بسحب امواله من بنوك اسرائيلية لوجود فروع لهذه البنوك في المستوطنات، فيما كانت نقابات في النرويج قد انضمت الى حملة مقاطعة اسرائيل، ونتذكر ان الاتحاد الاوروبي الزم تل ابيب العام الماضي بتصنيف منتجاتها القادمة من المستوطنات وعلى ضوء ذلك تم مقاطعة العديد من الشركات الاسرائيلية العاملة في المستوطنات كما كبدها خسائر سنوية بالملايين.
قبل سنوات ايضا انضم نحو 150 فنانا من ايرلندا الى قائمة «مقاطعة» اسرائيل دفاعا عن كرامة الفلسطينيين وحقوقهم المغتصبة، وضد ما يتعرضون له من «عدوان» تمارسه اسرائيل بلا رادع ولا خجل، وقد سبقهم الى ذلك اكاديميون ونقابيون في بريطانيا، وكتاب ومثقفون في اوروبا، وسياسيون من مختلف دول العالم، وهذه بالطبع حالة جديدة تعكس حجم التحولات التي وصل اليها الضمير العالمي الحر تجاه اسرائيل وتكشف عن مدى «الصحوة» التي اجتاحت العالم اثر منطق الاستهانة الذي تعاملت به اسرائيل (بدعم من واشنطن)، ويمكن ان نستثمر مثل هذه المواقف الان ضد قرارات ترامب فيما يتعلق بالقدس والجولان او «صفقة القرن « بشكل عام، لصناعة موقف عالمي (سياسي واخلاقي) يساندنا في هذه المعركة الطويلة.
من المفارقات المخجلة بالطبع انه بينما يتحرك الضمير العالمي لاشهار المقاطعة ضد تل ابيب ومعاقبتها - ولو ادبيا واخلاقيا - على ممارساتها الهمجية، لا نعدم في بلادنا العربية من يتحرك ليسوّغ التواصل معها او يدعو الى «مكافأتها» على احتلالها المستمر، هنا بوسعنا ان نسأل : لماذا يصحو الضمير العالمي وينتصر لقضايانا فيما تنام ضمائرنا وتتراجع عن مواقفها؟ لماذا غابت قضية فلسطين عن اجنداتنا ولم تعد اسرائيل في قائمة «اعدائنا»؟ لماذا تقدمت الدعوات للتطبيع على الدعوات للمقاومة؟ لماذا استسلم الضمير العربي: ضمير الديني والثقافي «لاضطرارات» السياسي او مقولاته وتبريراته غير المفهومة؟ الاجابات معروفة تماما، لكن يبقى لدينا بارقة امل رأيناها تنطلق من ايرلندا والسويد ولندن، واخيرا من بوخارست، يمكن ان تدفع ضمائرنا الى الصحوة من جديد.
صرخة الملك من عمان التي تجد نفسها وحيدة في مواجهة محنة «تصفية» القضية الفلسطينية، وصلت الى اوروبا والى اطراف العالم الاخرى، وبوسعنا ان نراهن على هؤلاء الاصدقاء الذين يدافعون عن كرامة الانسان العربي والفلسطيني بالنيابة عنا، وان نقول لهم -اضعف الايمان - : شكرا.
الدستور