لأول مرة في تاريخ ذاكرتنا أن الملك عبدالله الثاني يلغي زيارة دولة لأسباب سياسية، وهي رومانيا، وهذه الخطوة ليست عادية بل في الأعراف الرئاسية والدبلوماسية تشكل أمراً جللا، وهي أقرب الى خلافات الدول بسبب الحروب، ولهذا فقد تلقفت الصحافة العالمية الخبر وكأنه غزو فضائي ضد الأرض، ما كشف عن هدف قاتل في الثواني الأخيرة من مباراة نهائي صفقة القرن، قبيل إعلان الرئيس ترمب موافقته الرسمية على ضم الجولان للاحتلال الإسرائيلي كجائزة لضيفه نتنياهو الذي يصارع في انتخابات بعد أقل من اسبوعين..والملك هنا يوقع مجددا على إعلانه نهاية الأسبوع بعدم التنازل عن القدس مهما حدث.
رومانيا الدولة كانت شيوعية قبل ثلاثين عاما وكان رئيسها «نيكولا شاوشيسكو» مناهضاً لإسرائيل وصديقا للعرب، واليوم تظهر قوة اختراق إسرائيل لها، رغم الخلاف ما بين الرئيس «كلاوس يوهانس» الرافض لإعلان رئيسة الحكومة «فيوريكا دنسيلا» أمام لوبي «أيباك» الصهيوني، نقل سفارة بلادها الى القدس، ولا يمكن التكهن الى أي مدى ستصل نتائج خلافاتهما، ولكن الظاهر أن كثيرا من دول العالم صامتة على استحياء قبل أن تشارك جميعها بالاعتراف لإسرائيل أن القدس عاصمة سياسية لها وستنقل سفاراتها الى هناك، مقابل تشرذم عربي تجاه القضية العربية والإسلامية الكبرى.
رومانيا ليست الدولة الأولى التي تعلن نقل سفارتها للقدس، ولكن برنامج زيارات جلالة الملك كان يتضمن زيارة رومانيا الاثنين وفيها من الأهمية ما لا يكشفه الناطق الرسمي، ورغم ذلك قرر الملك أن يضحي مجددا مقابل موقف الأردن من وديعتنا المقدسة، وهذا درس سياسي يجب أن يتبعه دروس كثيرة لإعلاء الروح المعنوية لدى الدولة الأردنية والشعب المتوحد تجاه القضية الفلسطينية والقدس وما فيها، وأن تعمل الحكومات على رفع يدها عن رقاب المواطنين لئلا يقتل الضنك الروح المعنوية.
الأردن يقامر بعلاقات مهمة مع دولة كرومانيا، لأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشكل منفذا مهما كقطاع الزراعة والتجارة والتعليم، فرومانيا تستورد غالبية احتياجاتها من الخضراوات والحمضيات خصوصا في موسم الشتاء من الأردن وسوريا، وكان من المنتظر أن ينعقد منتدى الأعمال والتجارة الأردني الروماني في بوخارست بحضور شخصية اقتصادية أردنية للتباحث التعاوني مع نظرائهم الرومان، ولكن صدرقرار بإلغاء كافة الفعالية الاقتصادية المهمة من قبل الجانب الأردني اعتراضا على إعلان بوخارست نقل سفارتها للقدس، وهذا جزء من حرب باردة ضد دولة لها تاريخ من التعاون مع الأردن حيث غالبية الطلاب في الجامعات الرومانية كانوا أردنيين ومنهم وزراء في الحكومة.
السؤال المحير اليوم: هل نستطيع مواجهة قرارات دولية يقودها طاقم البيت الأبيض لمنح إسرائيل حقوقاً ليست لها على حساب الأرض الفلسطينية والمقدسات الإسلامية ومرتفعات الجولان السورية، فيما لا يزال هناك تبادل تجاري في الزراعة والطاقة مع دولة الاحتلال، فيما الاقتصاد الأردني يلتقط أنفاسه والحبل على رقبة الأردن قبيل إعلان صفقة القرن؟!
Royal430@hotmail.com
الرأي