بعد تأجيلات غير مقنعة استمرت شهوراً, اختار رئيس الوزراء الأردني نادر الذهبي الوقت الأسوأ لزيارة بغداد, وهي منشغلة بضحايا التفجيرات الإرهابية العمياء, التي عادت لتضرب المواطنين العراقيين الأبرياء بعنف حاقد أسود, والمنشغلة أيضاً بالانتخابات النيابية المقبلة في ظل انفراط تحالفات مهمة كانت تقود البلاد, وميلاد تحالفات جديدة تسعى لنيل حصة الأسد في البرلمان المقبل.
وأجرى الذهبي محادثات مع رئيس وزراء على وشك خوض معركة مصير, إما أن تكرسه زعيماً وطنياً, أو تحيله إلى التقاعد, كواحد من رؤساء وزارات مروا بتاريخ العراق مرور الكرام .
حمل الذهبي إلى عاصمة الرشيد مجموعة من الملفات السياسية والامنية والاقتصادية, لكنه عاد حاملاً نفس الملفات دون أن يطرأ عليها أي تطور إيجابي, بالنسبة للمعتقلين الأردنيين في العراق, والذين كثر الحديث عن عودتهم معه, تمت عملية تمييع قاسية, وربطت قضيتهم بموضوع العراقيين المعارضين المقيمين في الأردن, وتمت الإشارة إلى أن القانون سيحكم وضع الأردنيين في العراق, بعضهم متهمون بالارهاب وهؤلاء أمرهم محسوب ولا مجال للحديث عنهم, أما أصحاب الجرائم العادية, فمن الممكن التكرم بتخفيض عقوباتهم, وفي ملف زيادة كميات النفط العراقي المصدر للأردن, كانت الخيبة أكبر, فرغم أن الاتفاق المبرم بين البلدين ينص على تزويد الاردن بثلاثين ألف طن من النفط العراقي يومياً, وأن الكمية الواصلة فعلياً لاتتجاوز العشرة آلاف, فان الذهبي لم ينجح في انتزاع الموافقة على تصدير كامل الكمية المتفق عليها, وبدلاً من ذلك حمل الذهبي سلة من الوعود تتعلق بدفع رؤوس أموال عراقية للاستثمار في الاردن, شريطة حصولها على تسهيلات تجارية وإستثمارية، وكأن أصحاب رؤوس الأموال العراقيين ينتظرون توجيهات حكومتهم, وكأن تلك الحكومة لاتعرف حجم الاستثمارات العراقية الخاصة في الاردن ولا التسهيلات التي يحصل عليها المستثمرون.
سياسياً تم تكرار نفس الأسطوانة السابقة, عن الدعم الأردني للنظام العراقي الجديد, وعن وضع الإمكانات المتوفرة بأكملها في خدمة استقرار ذلك النظام, وهو كلام جميل لكنه يظل إنشائيا, إن لم يقترن بأفعال على مستوى ما يطلبه العراق, وقد استغل المالكي زيارة الذهبي, فدفعه إلى تصريحات قد تبدو مساندة لاتهاماته لسورية بالمشاركة في التفجيرات الاخيرة في بغداد, وذلك حين طالب الذهبي جيران العراق بدعمه ومساندة استقراره الأمني، والأمل اليوم أن لاتستثير التصريحات حفيظة دمشق, إن هي اعتبرتها مباركة لاتهامات المالكي, رغم أنه أبلغ دمشق قبل الذهاب بان موعد الزيارة محدد منذ فترة, خاصة وأن بغداد رفضت فكرة أردنية للتوسط مع دمشق وأن الدرب بين عمان ودمشق سالكة بصعوبة, وأن القضايا العالقة بين الدولتين سواء تعلقت بالمياه, أو طاولت الملف الامني لم تجد بعد طريقها للحسم, هذا إن تجاوزنا ملف ترسيم الحدود بين البلدين.
زيارة الذهبي التي تعلقت بها آمال كبار, بدت في نهايتها وكأنها سلقت سلقاً, رغم تأجيلها عدة مرات تحت مبرر الإعداد جيداً لنجاحها, وهي لم تثمر عن النتائج التي كانت مرجوة على كل الأصعدة الامنية والسياسية والإقتصاديه .