إذن، شئنا أم أبينا، سيمضي ترامب قدما في الإعلان رسميا عن إعتراف الولايات المتحدة بسيادة العدو الصهيوني على الجولان.
سيعقد ترامب مؤتمرا صحفيا، سيجلس على الكرسي أمام مكتب، سيتناول أوراق القرار، سيوقعها، ثم سيعرض توقيعه عليها أمام الصحفيين مبتسما إبتسامة زاهية كبريائية ولسان حاله للعرب متعجرفا: "بلطوا البحر!".
بعض المحللين فسر تغريدة ترامب على أنها دعم مباشر لحزب الليكود الذي يخوض معركة إنتخابية شرسة مع خصمه الرئيسي تحالف "أزرق أبيض" -ألوان علم العدو الصهيوني- كنوع من أنواع رد الجميل لما قدمه زعيم الليكود النتن ياهو لترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة عام 2016. وثاني بعضهم علل تويترية ترامب كمحاولة لسد الفجوة الحاصلة على الأرض في الخط الخلفي للعدو الصهيوني على الحدود مع سوريا مع إنسحاب القوات الأميركية رغم بقاء مئتي جندي أميركي الذي أعتبر وجود رمزي ليس أكثر ، وثالث بعضهم ضمنها كجزء من صفقة القرن -لاحظ عزيزي القارئ أن الإدارة الأميركية المتصهينة أطلقت عليها إسم صفقة ليس إتفاقية أو معاهدة- التي ستعلن تفاصيلها بعد إنتهاء إنتخابات برلمان العدو الصهيوني التي ستجري في التاسع من نيسان المقبل.
كل التفسيرات أعلاه وغيرها من تفسيرات لا تتسع سطور المقال لذكرها جميعا تحتمل الصواب بنفس المقدار الذي تحتمل فيه الخطأ، ولربما كلها مجتمعة أصابت كبد الحقيقة، ولربما بعضها، ولربما كلها جانبت الصواب، وما أدرانا؟
وفي سياق الإجتهاد في التحليل السياسي لتوقيت قرار ترامب ودوافعه، أجد من الضرورة أن ألفت نظرك عزيزي القارئ إلى نتائج إستطلاع أجرته وسيلتا إعلام من وسائل إعلام العدو الصهيوني فبل نحو ثلاثة أسابيع أفادت بأنه من المتوقع أن حزب الليكود سيحصل على (59) مقعدا من المقاعد المائة والعشرين مما يفقده النصاب القانوني -(61)مقعدا- لتشكيل حكومة.
.
ومن جهة أخرى، هل من المستبعد أن ترامب عمد إلى أن تتزامن تغريدته مع ترقب العالم لنتائج تحقيقات مولر فيما إذا كان هناك تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الاميركية الاخيرة أم لا؟
هذا في إطار التوقيت، أما في إطار الدوافع، فإنني أكاد أجزم أن أحد هذه الدوافع هو أن ترامب يريد ضمان دعم اللوبي الصهيوني له في معركته الإنتخابية الرئاسية القادمة للفوز بولاية ثانية.
النتن ياهو يخوض هذه المرة معركة ضارية مع منافسه رئيس أركان جيش العدو الصهيوني السابق غانتس للفوز بولاية جديدة لرئاسة الوزارة، وما يزيد من شدة ضراوة هذه المعركة أن الناخبين في دولة العدو الصهيوني أمام وجهين لعملة واحدة من حيث البرنامج الانتخابي لكل منهما، مع فروقات تكاد تكون سطحية.
في ظل هذا التشابه الذي لا يصل حد التطابق في البرنامج الإنتخابي لكل من المرشحين، قد تتساءل عزيزي القارئ: ما هي "الطبشة" التي سترجح إحدى كفتي ميزان إنتخابات برلمان العدو الصهيوني؟
قد يجيب أحدهم، ما دام أن النتن ياهو يواجه إتهامات بالفساد، وهي الأوتار التي يعزف عليها غانتس أينما حل في جولاته الإنتخابية ومتى ارتحل للترويج لحملته، إذ قال في إحداها: "أنا أكثر شرا من نتنياهو، لكنني نظيف"، وقال في جولة أخرى: "قلت الحقيقة طيلة حياتي، وحافظت على نظافة يدي"، فإن نظافة اليد لربما تكون "الطبشة" التي سترجح كفة الجنرال المتقاعد غانتس. ولربما لا تكون، وما أدرانا؟
آخر قد يجيب بأن تغريدة ترامب "طبشت" كفة النتن ياهو منذ الآن، ولربما هذه الإجابة تكون في محلها، ولربما لا تكون كذلك.
ولربما يجيب ثالث بأن عملية أخرى أو أكثر مثل عملية سلفيت قد تكون "الطبشة"، ورابع قد يجيب بأن هجوما صاروخيا آخر أو أكثر تشنه حماس على تل أبيب قد يكون "الطبشة"، وهذه الإجابات وغيرها قد تصح وقد لا تصح.
لكن بالنسبة لي، عندي إجابة قد تحمل مفاجأة من العيار الثقيل بالنسبة لك عزيزي القارئ، وقد تصيب إجابتي، وقد تخطئ، إذ لعلني لا أغالي إذا ما قلت بأن دعوة من الملك لأحد المرشحين -وأحلاهما مر- للإجتماع به هنا في عمان لربما تكون "الطبشة" التي سترجح كفة المدعو!
على هامش المقال
نقرأ في كتاب "مستشار الملك" لمؤلفه جاك أوكونيل، ص209:
وكان بيريز الذي حل محل رابين في منصب رئيس الوزراء، يقود حزب العمل ضد نتنياهو والليكود. وكانت شعبية الملك "حسين" كبيرة في (إسرائيل)، بفضل إتفافية السلام في العام 1994، إلى درجة أن الكثير من المحللين اعتقدوا أنه يستطيع أن يؤثر على الإنتخابات، التي كانت نتائجها متقاربة للغاية. وقد أدى قراره "الملك حسين" في دعوة نتنياهو لزيارة عمان أثناء الحملة -بينما كان يصد بيريز بجفاء- إلى مساعدة رئيس الليكود على تكوين إنطباع بأنه كان ملتزما بعملية السلام. وناقش بعض المحللين في أن زيارة نتنياهو ربما عملت على ترجيح كفة الإنتخابات لصالح نتنياهو. ولا أعرف إن كان ذلك صحيحا أم لا.
جاك أوكونيل: مدير محطة وكالة المخابرات المركزية الأميركية في عمان (1963-1971).