استقالة نزار بايف .. ماذا هناك؟
د.حسام العتوم
24-03-2019 01:06 PM
نعم استقال رئيس جمهورية كازاخستان نور سلطان نزار بايف بتاريخ 20 آذار الجاري من هذا العام 2019 بعد 29 عاماً من الحكم، ولم تأتِ استقالته فجأة كما أُذيع إعلامياً فقد عرفت موسكو بها قبل أيام، واتصال هاتفي (حسب ديمتري بيسكوف مدير المكتب الصحفي في الكرملين)، جرى بينه وبين الرئيس الروسي بوتين قبل الاستقالة، وإقالة الحكومة أولاً تؤكد ذلك، وهو مؤشر على أن "الجمهورية" التي خدمت في سلك الاتحاد السوفيتي السابق بقيادة الفدرالية الروسية وبإخلاص لم ولن تخرج من دائرة العلاقات الجيوبوليتيكية الوطيدة مع روسيا لكون أن الأخيرة تشكل بالنسبة لها العمق السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي الاصيل. وكازاخستان ورغم علاقتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوربي أيضاً إلا أنها لا تشبه جورجيا، ولا أوكرانيا، ولا البلطيق، وتغيرات السياسة في هذه البلدان، وتقدر ذات الوقت الموقف السوفيتي الواحد في الحرب الوطنية العظمى (الثانية) 1939/1945، ومشاركتها في النصر الأكيد على نازية أودلف هتلر، والمجاعة السوفيتية المشتركة في ثلاثينيات القرن الماضي 1932/1933. وتشكل بما تملك من مصادر طبيعية تحت الأرض مثل البترول، واليورانيوم، والمعادن المختلفة، وما تملك فوق الأرض من خصوبة زراعية، واستثمارات مليارية سلة خير آسيا الوسطى. وهي خالية من السلاح النووي مثل كل بلاد السوفييت السابقة ما عدا روسيا التي تنفرد به وبحجم وصل إلى 7000 رأس نووي، إلى جانب التفوق في المنظومات الصاروخية وفي مقدمتها (أفنغارد) النووري العابر للقارات وفوق الرادار، والتفوق أيضاً في السلاح التقليدي الأرضي والجوي والفضائي. وثمة فرق بين الرئاسة والزعامة، فاختار نزار باييف الزعامة الوطنية الكازاخية مبكراً، وعمل رئيساً للوزراء، ورئيساً للدولة أكثر من 30 عاماً، ومنح رسمياً لقب (زعيم الأمة) بتاريخ 2/مايو/ 2012، ونقل بلاده كازاخستان من الفقر والبطالة إلى الإنتاج الوفير، وفرص العمل الفائضة. وتقديراً لدوره المخلص في قيادة وطنه قرر خليفته المؤقت قاسم دجومارت توكاييف تغيير اسم العاصمة أستانا إلى نور سلطان، وفي عمق التاريخ سميت بـ (الماني).
والملفت للانتباه هنا هو أن الرئيس السابق نزار بايف ذهب إلى الاستقالة ولم يقال، ولم تطلب منه حاشيته البقاء في السلطة حفاظاً على مصالحها، واختار لقيادة الوطن الكازاخي الغالي شخصية مقربة إليه مثل رئيس مجلس النواب (توكاييف) مؤقتاً، وهو الذي رد له وبسرعة الجميل بالجميل، والوفاء بالوفاء، وميدانياً نزار باييف لم يغادر السلطة في بلاده نهائياً فبقي يقود مجلس الأمن، والحزب الشيوعي (نور أوتان) صاحب الأغلبية البرلمانية، وباختياره لخليفته وبصورة ناجحة حتى عام 2020 والطلب بإجراء انتخابات رئاسية بعدها، وكأنه في هذه الحالة استبدل موقع رئيس البلاد من 79 عاماً والذي هو عمره الحالي وسبب رئيسي في مغادرته السلطة حسب تصريح للخبير السياسي (أندريه غروزين) في رابطة الدول المستقلة بعمر 65 عاماً والذي هو عمر الرئيس الجديد توكاييف، فمدد من عمر الرئاسة ولم يضع نهاية لها، ولم يتصرف كما الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وأعوانه، ولم يشبه حتى خروج بوريس يلتسن من السلطة في روسيا طوعاً كما أشيع، وهو الذي تم دفعه إلى الاستقالة وقتها وتسليم السلطة لبوتين وفقاً لرؤية الدولة الروسية الاستراتيجية ونظامها اللوجستي كمثل.
لم يرغب نزار بايف أن يبقى في السلطة وهو في عمر الثمانينات والتسعينات، رغم أن الدستور الكازاخي تم تعديله عام 2007 ليتاح له البقاء حاكماً للفترة الزمنية التي يرغب بها نتيجة لإخلاصه وحبه لوطنه في زمن نصح به الرئيس السابق محمد خاتمي حسن روحاني الرئيس الحالي في إيران مثلاً للاستقالة من منصبه قبل أن يُضحى به من قبل المرشد الأعلى خامنئي بسبب التراجع الاقتصادي. وفعلاً ثبت بأن للرئاسة عمر زمني، وللزعامة الوطنية عمر أطول يتجاوز حياة الإنسان حتى، ويدخل التخليد، وذاكرة المجد العطرة.
وبكل الأحوال نلاحظ هنا الفرق وكيف أن الاقتصاد الكازاخي معافى ويتطور ويرتكز على مخزون هائل من الموارد الطبيعية، والمساحة، وعدد السكان، ومع ذلك جاءت الاستقالة في وقتها وزمانها بالنسبة لنزار باييف الذي لم يرغب أن يسجل عليه التاريخ احتكار السلطة.
وكازاخستان بالمناسبة بقيت صامدة وسط منظومة الدول المستقلة (S.N.G) العشرة بعد الانهيار السوفيتي عام 1991، وعز عليها أن تشبه حراك جورجيا، وأوكرانيا، ودول البلطيق، فاستندت بقوة على العمق الروسي العملاق، وحافظت على بناء علاقات دولية متوازنة ذات الوقت. وها هي إمكانات الكازاخ تحت الأرض وفوقها نضعها أمام القارئ الكريم وسط الرأي العام ليحكم بنفسه، وليقف بعدها احتراماً لدولة لا تنام وتبحث عن التطور باستمرار.
تبلغ مساحة كازاخستان أكثر من 2 مليون كلم2، وتعداد سكانها يزيد على 17 مليون نسمة، والأهم هنا هو أنها أصبحت واحدة من 30 دولة رائدة في العمل التنموي، ودخلت مجموعة الـ 50 دولة تنموياً على مستوى العالم، وتتميز بأدنى معدلات الضرائب في العالم، وحجم الاستثمارات فيها وصل إلى 160 مليار دولار، وتحتل المرتبة العاشرة في احتياطي النفط، وتضاعف إنتاج النفط لديها 15 مرة، والغاز 3 مرات، والعائدات تذهب للصندوق الوطني مباشرة، والاحتياطي وصل إلى 100 مليار دولار، وزاد نمو التجارة الخارجية 12 مرة، والإنتاج الصناعي 20 مرة. وتم إنشاء 780 شركة صناعية جديدة، وتوفير 160 ألف فرصة عمل، والتخطيط لخلق 70 ألف وظيفة أخرى، وبلغت الصادرات 27 مليار دولار، والواردات 17 مليار دولار، وتعاون صلب مع الاتحاد الأوربي، ومبادلات نسبتها 34%، وتعاون هندسي مع الأردن بالذات مع شركة إيريك (سكماغولون) في مشروع النهر الذهبي، (تين بولاك) في مشروع الأبراج، وفي مشروع المنتجع تعزيزاً للعلاقات الأردنية الكازاخية الدافئة والحميمة التي قادها جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله والرئيس نزار باييف، والتي من شأنها أن تستمر في عهد الرئيس الكازاخي الجديد توكاييف.