شكرًا «جاسيندا» رسالتكم وصلت
حسين الرواشدة
24-03-2019 01:07 AM
الرسالة التي وصلتنا من نيوزلندا يوم الجمعة الحزينة كانت بشعة لدرجة اننا لم نر العالم من خلالها الا مجرد «بقعة» سوداء او بركة من الدم الممزوج بالظلم والعنصرية والكراهية، لكن ما وصلنا من رسائل في الجمعة التي تلتها، ومن ذات المكان، قلب الصورة راسا على عقب، فقد فتحنا اعيننا على واقع جديد تتحرك فيه الانسانية على فطرتها، ويعلن فيه الانسان انتصاره على كل نوازع الشر والحقد والانتقام دون ان تمنعه عن ذلك اعتبارات الجغرافيا او الدين او العرق او غيرها من الفزاعات التي انتجت اساطير صراع الانسان مع اخيه الانسان.
رئيسة الوزراء هناك تحركت على الفور لادارة الازمة، فظهرت مغطاة الرأس تضامنا مع اهالي الضحايا المسلمين واحتراما لرمزية الحجاب لديهم، ثم توجهت للمسجد الذي حدثت فيه المجزرة وحضرت صلاة الجمعة، وفي انحاء البلاد تم رفع الاذان ثم وقفت وخلفها 5 الاف نيوزلندي في مقدمتهم كل رجالات الدولة دقائق من الصمت على ارواح الشهداء.
على صفحتها الاولى نشرت صحيفة «ذا بريس» كلمة سلام بالبنط العريض وتحتها قائمة باسماء شهداء المسجديين، وعلى ابواب المساجد انتشرت رجال من عصابة «موغريل موب» لحماية المصلين، فيما كان وزير الخارجية النيوزلندية يؤكد بانه لا يوجد عقوبة يمكن ان تتناسب مع بشاعة هذه الجريمة، اما الشاب الذي قذف السيناتور المتطرف « بالبيض» احتجاجا على موقفه الشاذ من الجريمة فقد برأته المحكمة وادانت السيناتور بالاعتداء على قاصر.
لا يتجاوز نسبة المسلمين في نيوزلندا الا 1 % حيث يبلغ عددهم نحو 50 الفا من نحو 5 ملايين يشكلون عدد سكانها، لكن قيمة المواطن كما عكسته حالة السياسة في البلاد لا يرتبط بالعدد، وانما بالاعتبارات الانسانية والقيمة، اما الجريمة التي حصلت فكان يمكن ان تمر بكثير او قليل من الادانات المألوفة، ولكن الاحساس بالمسؤولية والرغبة في طي صفحة البشاعة وتطمين المواطنين على عافية بلدهم دفعت الرئيسة المنتخبة ومعها المجتمع الى التفكير خارج الصندوق بصورة عفوية، عكست افضل ما يمكن ان يفعله الانسان حين يتصالح مع نفسه ويتحرر من شوائب التاريخ ودسائس السياسة المغشوشة.
الان بمقدورنا نحن المسلمين الذين عانينا من المظلومية ونمطية الصورة التي روج لها الاعلام المزيف ووظفتها السياسة ان ندقق في صورة العالم والغرب تحديدا، هذه التي جائتنا من نيوزلندا ووقعتها رئيسة وزرائها (جاسيندا اردرن : تذكروا هذا الاسم ) لنرى انفسنا على حقيقتها ونبصر وجهنا الاخر المختلف في الدين او العرق او القومية، سنكتشف اننا اخطأنا بحق الصورتين حين اختزلناهما في القبح فقط مع ان مشتركات الحسن بينهما كثيرة، كما سنكتشف ان هذه الانسانية التي نتشارك فيها على هذه الارض اقوى من اي اعتبار قد يدفعنا لكراهية بعضنا البعض.
شكرا « جاسيندا» وشكرا لهؤلاء النيوزلنديين النبلاء، رسالتكم وصلت، فقد انتصرتم لقيم الخير في بلدكم، كما انتصرتم لضمير الانسانية المعذب بالظلم، ولنا نحن الضحايا الذين تطاردهم لعنة الاستقواء والقتل بلا ذنب.
الدستور