ميثاق شرف إعلامي يستند الى الرؤية الملكية
نشأت الحلبي
05-09-2009 11:26 PM
مؤخرا، فتح وزير الإعلام والإتصال الدكتور نبيل الشريف قصة الدخلاء أو "الطارئين"، حسب وصفه، على الصحافة من جديد، مؤكدا في محاضرة ألقاها في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، بأن "تنقية" الصحافة من هؤلاء يمكنها من أداء دورها لتصبح الصحافة "إعلام وطن" يعمل في سبيل خدمته والحفاظ على أمنه ورفاه مواطنيه، ولأن الدكتور الشريف، وأنا أعرفه حق المعرفة، إبن مهنة أولا وليس "طارئا" عليها إطلاقا، وفوق ذلك، فإن خلق الرجل ودماثته تمنعه أي منع من المساس بأي إنسان، فإن هذا يؤكد بأن الرجل قد لمس حقا الخطر المحدق بالصحافة في الأردن من باب التجربة، ولا بد أيضا أنه تعامل، ولو بالصدفة، مع بعض هؤلاء ليكتشف مر الحقيقة، وفي موقعه الحالي، والذي ليس هو بجديد عليه أيضا، فإنه لا بد وأنه قد لامس ذلك "النخر" الذي يجري في عمق مهنة الصحافة، وعليه، فإن الرجل، وبعد أن شعر بعظم الخطر الذي بات يهدد العمل الإعلامي بكله، دق ناقوس الخطر ليؤكد بأن إستمرار ما يجري سيؤدي الى كارثة حقيقية لا محالة، ولو كان أي مسؤول آخر قد صرح بما صرح به الدكتور نبيل الشريف، لقلنا بأن هذا المسؤول يتجنى أو أن له حسابات مع بعض الجهات "شبه" الصحفية ويريد تصفيتها من خلال موقعه الحكومي، اما الشريف، ولأنه كما أسلفت، إبن المهنة وصاحب "مصلحة" صحفية، فأعتقد بأن مثل هذا الكلام كان سيضره على الصعيد "الإستثماري" قبل أن يفيده، لكن الأمانة إقتضت على الرجل أن يصرخ في وقت غابت فيه الصحافة المهنية والوطنية عن لعب دورها المفترض فيما الأردن يتعرض لأعتى الهجمات، فعلى الصعيد الخارجي، ما زال في الذهن الموقف العدائي الصهيوني منذ التصويت على قصة الوطن البديل في الكنيست الإسرائيلي، وفيما تحركت الدولة بكل سلطاتها للتصدي للهجمة الصهيونية الشرسة، فإن دور السلطة "الرابعة" غاب تماما إلا من رحم ربي.
وفي الداخل الأردني، على سبيل المثال لا الحصر، غاب الدور التنويري للصحافة في الوقت الذي شهد فيه الأردن أحداث إجتماعية خطيرة كما جرى في عجلون بين عشيرتين أردنيتين على خلفية حادثة قتل، وكما حدث ايضا في بلدة أم حماط في المزار الجنوبي، بل أن تلك الاحداث كانت لبعض المرتزقة على حساب أوجاع الوطن، فرصة ذهبية للربح والشهرة، فغاب دور الصحافة التنويري، وغاب أي دور إعلامي في محاولة للملمة الجراح بعد الوقوف على أسبابها الحقيقية.
هذه ليست محاولة للتنظير، لكنها كلمة "حسرة" حقيقية على غياب الرؤية الإعلامية في كيفية تقديم مصلحة الوطن والناس العليا على المصالح الشخصية و"الربحية" الضيقة.
وهنا سأضطر لأكرر حادثة تحدثت عنها في مقال سابق تناولت فيه هموم الصحافة في الأردن، فقبل موعد واحدة من الدورات الإنتخابية لنقابة الصحفيين، إجتمع عدد من الزملاء في منزل زميل صحفي وكان في الجلسة المرشح لمركز النقيب حينها الزميل والنقيب السابق طارق المومني، وتصادف الإجتماع مع تصريحات لجلالة الملك عبدالله الثاني لإحدى الصحف شكا فيها جلالته من ضعف المهنية في الصحافة الأردنية، فطرحت ذلك في الإجتماع وقلت للزملاء بأن ما قاله الملك يمسنا كلنا، وتلك بالتأكيد رغبة ملكية بأن ننتبه لما يجري في الصحافة التي من المفترض أن تلعب دورا وطنيا أكثر وعيا، وإقترحت حينها بأن تشكل بعد الإنتخابات لجنة خاصة تكون مهمتها إصلاح الخلل الذي بات يدب في الجسد الصحفي، وأيد بعض الزملاء ما ذهبت اليه، بل وأبدى بعضهم إستياءه مما يجري، والآن، وفي ذات السياق تقترح مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية رندا حبيب تأسيس هيئة مستقلة للفصل في القضايا بين الصحفيين والناس سواء رسميين أو مواطنين عاديين، حسب ما فهمت من مقالها الذي تحدثت فيه عن "تنقية الصحافة" بمناسبة مبادرة نقابة الصحفيين بتأسيس لجنة حكماء لضمان تقيد الصحفي بأخلاقيات المهنة، وهذا أيضا تقاطع مع تصريحات الدكتور نبيل الشريف، ورغم أنني لا أوافق على فكرة تأسيس تلك الهيئة لأنني أرى بأن القضاء يجب أن يكون الحكم وصاحب الكلمة الفصل خاصة لمن تطالهم الإساءات الشخصية، لكن، وفي المواقف الثلاث، فإن من الواضح بأن هناك حراك وفي أكثر من محطة لتنقية الصحافة من الدخلاء أو لنقل من غير الملتزمين بأخلاقيات المهنة وبمواثيق الشرف الإعلامية، هذا إذا ما أردنا "تبسيط الأمور"، لكن المحطة الأهم تكمن في نفس الصحفي لأن تلك محطة "الضمير " التي يجب أن يقدم فيها الصحفي المصلحة العامة على المصحلة الخاصة، والتي يجب أن يشعر فيها بالمسؤولية إتجاه الوطن والناس قبل أن يفكر بجيبه أو برصيد في البنك أو بسيارة أو تذكرة سفر أو دعوة عشاء أو شمة "هوا".
وفيما يؤكد الدكتور الشريف بأن رؤية جلالة الملك لدور الصحافة هي الأساس الذي تستند عليه الحكومة لبناء إعلام وطني، فإن الرؤية الملكية هذه يجب أن تكون العنوان الأبرز لصياغة ميثاق شرف إعلامي أردني جديد يجب على نقابة الصحفيين وكل الجهات الإعلامية البدء فورا بصياغته وتبنيه ليكون أهم محطات تنقية الصحافة والأساس لأخلاقيات المهنة وتوضيح دورها الوطني، وبالتالي، إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
Nashat2000@hotmail.com