الى مَنْ كان له قلب أو ألقى السمع لفيديو أم عمر السلفيتي أبو ليلى، وهي تروي قصة ابنها فلذة كبدها لحظة سماعها باستشهاده يرى أن صناعة التاريخ وقصص البطولات تنسج هناك ويكتشف أن طفولة عمر لم تكن لعبا ولهواً بكرة القدم في حارات بلدته سلفيت، وحياته لم تكن تفلتاً وصبيانية الحارات والنوادي والمقاهي مع الارجيلة ومع الشّلة الى ساعات متأخرة من الليل،
أم عمر تتكلم بكل فخر عن ابنها ابن ثمانية عشر ربيعاً ولم تذرف لها دمعة ولم ترتجف لها شفة فكأنها أعدت عمراً لهذا اليوم، يوم التخرّج يوم النجاح يوم الجائزة الكبرى يوم ميلاد فجر جديد يروي حكاية عمر الشهيد على مدى الأيام والدهور، حكاية أم فلسطينية لا تأسف على شيء من هذه الدنيا الفانية، لا تأسف على زهرة شباب عمر ولا على مستقبله وكأنها لا تريد له أن يحصل على الشهادة الجامعية ليعمل بها ويكسب المال، كما هي طموحاتنا نحن! وكأنها لا تنوي أن ترى له احفاداً ولا زوجة حتى ولا أسرة كما هي أحلامنا وطموحاتنا!!
ما هذه التربية يا أم عمر ما هذا السمو ما هذه الطموحات؟؟ تعالي الينا يا أم عمر علّمي نساءنا دروساً مستفادة في تربية الابطال، ولا أقول الأطفال، تعالي لقنيهنّ الطريقة التي صنعت بها عمراً فإننا أحوج ما نكون الى أمثالك، نساءنا يرضعن أولادهن حليباً مختلفاً يا أم عمر، أنبت فيهم روح الجبن والخوف وحب السهر واللهو، أشعل فيهم روح الهزيمة والملذات فضاع كل شيء وماتت أحلامهم وخارت عزائمهم واستحالت طموحاتهم الى البحث عن فرصة دنيوية زائفة يقضون بها وطرهم،
يا ايتها النخلة الفلسطينية الباسقة في سماء الخذلان والجحود والتراجع، أفيضي علينا من ثمار تربيتك الندية، علمينا الوصفة جودي علينا بدروسك فبوصلتنا تاهت وعزائمنا خارت، يا زهرة فلسطينية زادها الإحراق طيباً وألقاً وزهواً علّمي نساءنا ونساء العُرب كلّهم طعم الفقد النبيل ورائحة الجراح الزكية، علّميهنّ يا أم عمر مبادئ التربية الأوليّة وكيف وصلتِ الى هذا المستوى من التسامي والعلو.. قولي لهنّ ان لا يكونوا أحرص الناس على حياة!!!
والله ان القلب ليحزن على ما آل اليه حال شبابنا اليوم من موت لعزائمهم وخَوَرٌ في نفوسهم، قد يكونوا رضعوه من حليب أمهات غير أم عمر، هذه الايقونة التي أجزم أنها لم تعرف سوى صنعة واحدة وهي صناعة الابطال، أجزم أنها لم ترتاد نادياً غير بيتها، ولا مطعماً غير مطبخ بيتها ولا اصطحبت عمراً الى أحد المقاهي يوماً لتناول الارجيلة مع اولادها، ولا اشتهت سهرة ولا رحلة ولا حلمت بأعياد الميلاد وكيف يكون لها ذلك وهمتها فوق الثريا وطموحاتها أسمى من كل حطام الدنيا،
وانني إذ اقبل التراب تحت قدميك لأهنئك وأبارك لك، ربط الله على قلبك وجمعك بابنك الشهيد عمر في جنات النعيم،