هُنَاكَ إقبال كَبِير عَلَى دراسة الهندسة بفروعها فِي الأرْدُنّ، وإذْ علمنا وأنه حسب إحصائيات نقابة الـمُهَنْدِسِينَ الأردنيين فإنه فِي نِهايَة العام الـمَاضِي كانَ عدد الـمُهَنْدِسِينَ المسجلين فِي النقابة (156555) وهَذَا الرقم يشمل الـمُهَنْدِسِينَ العاملين، والمتقاعدين، والمتوفين، وتشير إحصائيات النقابة نفسها إلى أنه يلتحق سنويًا بسوق العَمَل فِي الأرْدُنّ ما بَيْنَ تسعة آلاف وَعَشْرَة آلاف مُهَنْدِس، وهَذَا رقم كَبِير وصادم من ناحيتين.
الناحية الأولى أن الأرْدُنّ دَوْلَة صَغِيرَة، فتشعر بِالصدْمَةِ الإيجابية عِنْدَمَا تعرف أن شعبنا حي، ونابض بالطموح والحيوية عِنْدَمَا يَسْتَطِيع تخريج هَذَا العدد الهائل من الـمُهَنْدِسِينَ فِي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الَّتِي نعيشها، والتحديات غير المنتهية الَّتِي تواجه بَلَدنَا.
فِي الوَقْت نَفْسه تَكُون هُنَاكَ صدمة سلبية، عِنْدَمَا نَتَسَاءَل عَن قدرتنا عَلَى استيعاب هَذَا العدد الهائل فِي سوق عمل مشبع، وغَيْر قادر عَلَى الحفاظ عَلَى الوظائف القائمة، فَكيفَ يَكُون الحال بخلق فرص عمل جَديدَة، نعرف جَيِّدًا أن الأسواق العَرَبية هِيَ الأساس فِي استيعاب أعداد كَبِيرَة من الـمُهَنْدِسِينَ الأردنيين، وهَذَا ما كانَ يَحْصل خِلال السَّنَوَات الـمَاضِيَة، وَلَكِن هَذَا الأمر غير قابل للاستمرار لِعِدَّةِ عوامل مِنْهَا تراجع قُدْرَة الأسواق الخَارِجِيَّة عَلَى استيعاب الـمَزِيد من الـمُهَنْدِسِينَ، وَالثَّانِي هُوَ تَوَجَّهَ هَذِهِ الدُّوَل لتوطين الوظائف فِيهِا، ومِن ضمنها الهندسية حَيْثُ بدأت أعداد الخريجين الوطنيين فِي هَذِهِ الدُّوَل فِي مَجَالات الهندسة تزداد، ووقتها لَنْ تَكُون الأولوية للأردنيين.
الناحية الثَّانية الَّتِي نود مناقشتها هُنا هِيَ عدم ارتباط نتاجات الجامِعات الأردنية مَع احتياجات سوق العَمَل، وعدم قُدْرَة الجامِعات فِي أحيان كَثِيرة عَلَى تلبية هَذِهِ الاحتياجات، فالشركات لا تكتفي بمهندس خريج لَدَيْهِ شهادة، بَلْ تحتاج إلى شَخْص مُدَرِّب، وَفِي هَذِهِ النُّقْطَة لا بُدَّ أن نشيد بجهود نقابة الـمُهَنْدِسِينَ الَّتِي لا تقصر فِي هَذا المجال فلديه برامج مشهود بِهَا بتدريب مهندسيها، وتأهيلهم، وَالبَحْث عَن فرص عمل لَهُم.
الطموح الجامح لشباب الأرْدُنّ فِي دراسة الهندسة نادر، وكثير من الدُّوَل تدفع لِلْنَاسِ، وتقدم لَهُم مِنَحًا مجانية ليفعلوا هَذَا الشيء، وَلَكِن التحدي الأكبر فِي الأرْدُنّ كَيْفَ يُمْكِنُ استيعاب هَذَا الطموح، وترشيده، وتوجيهه بِشَكْل صَحِيح، كَيْ لا يتحول هَؤلاء الشباب إلى وقود لسوق البطالة، والإحباط، وبدلًا من أن يكونوا جزءًا من بَرْنَامَج التطور والنمو يصبحوا العكس لا سمح الله.
لَدَيْنا تَحَدِّيات كَبِيرَة، فَهَلْ تَسْتَطِيع الإدارة الحكومية الارتقاء لمستوى طموح شعبها؟
Mrajaby1971@gmail.com