كلماتٌ تتهادى فجرًا كفجرِ كرامتنا ، فللجيشِ كبرياؤه حينما يُصَلِّي في محرابِ الوطن ، وللأردن كرامته التي صُنِعَتْ على عين السماء وتسبيحةِ الأرضِ ، هذا الأردن الذي تمددَ في القلوب نشيدًا عُرُوبيًّا منذُ أن صدحَ على مشارف الشام في مؤتةَ زيدٌ وجعفر وابن رواحة وأتَمَّها ابنُ الوليد: ( والرومُ رومٌ قد دنا عذابُها ) وظلتْ رسيسًا ينداحُ نصرًا مؤزَّرًا في ذاتِ السلاسل واليرموك حيثُ رباطُ الفتحِ الأول ومفتتحُ التحرير ؛ فلسنا على الأعقاب تُدْمى كلومُنا، هكذا كان النشيدُ عربيًّا ، والوجوهُ خالصةَ العروبة والخيولُ والقواضبُ والرايةُ نسيجًا عربيا محضًا .
وفي الثرى تعطرتِ الرمال دمًا يفوح رجولة وبسالة ونصرًا خالصًا، لم تعشق القلوبُ إلا القدسَ محرابًا حينما تُغْمِضَ الجفونُ رموشَها على صهيل الخيل ووقع سنابكها وصليل السيوف المطرزةِ أغمادُها بوشم الأقصى وسنابلِ مؤتة ، القلوب تتعالى نبضَاتُهَا على وتَرٍ واحد في رؤوس الشامخاتِ من جبال الشوبك والطفيلة والكرك والسلط وعجلون ونابلس والخليل ، والعيون تقدَحُ نيرانَهَا في رحاب القدس وأكنافه عربيةً حتى يرث اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها ، للجيش في محراب الكرامة ذكراه صلواتٍ وصباحاتٍ وتراتيلَ تُـتْلى على مدِّ جبين النشامى الذين صرخوا ذاتَ ربيع أردني في وجه العدو : أن أرضَنا محرمةٌ عليكم ، تتيهون في التيه أو تعودون إلى إبيكم لتقولوا : يا أبانا مُنِعَتْ منا الكرامةُ فأرسل معنا بني الأصفر، فالأردني شَرُوبٌ للمُعْتَدِيْنَ أَكُول.
للجيش في يوم كرامتهِ زنابقُ النصرِ، وكرامتُنا هي صلواتنا في هزيع الأمة وانكساراتها ، لن ينكسر الأردني من عدو خارجي غازٍ أو قاطع طريقٍ احترف اللصوصية في شوارع روما ؛ فللبيت ربٌّ ، وللدار جيشٌ لم يُسْقِطِ الرايةَ ولم ينزعِ التاج عن جبينه الوضَّاء ، هو الأردني الذي يعرف الكرامةَ صعودًا لوجهِ الله وارتقاءً في معارج الرجولة ، إذا قضى منهم سيدٌ قام سيدٌ ، وإن اختلفتِ الطرقُ ففي القدس مآذنُ تُرَى بعيون مُحْمَرَّةٍ ، وفي عمان جبالٌ سبعة يَهتدي الفرسانُ براياتها ، فيا جنودَنا في الجيش وأجهزتِنا طابَ فوحُكم وأزيزُكم فلكم ما تزملوننا به دِفئًا وأمانًا وسلامًا ، ولكم زرقةُ السماء وبياضُها وخضرةُ الأرض شِيْحًا وتينًا وزيتونًا ، ولكم أيدي أمهاتكم مبسوطَةً مرفوعةً في جوف الفجر وقِباب السَّحَر أن يحفظكم الله ويُبْقِى تكبيراتِكم صادحةً في جذوع الأرض وأغصان السماء وتجاعيدِ كهوفِ المارقين من كِنَانَةِ الشرف ، فلكم صباحُ الكرامة وطلعُها وبعثُها ونفحُها ، فالوجوهُ لا زالت سمراءَ ( والسمرةُ لونُ العربِ ) لم يزدْها وهجُ الشمس ولفحُ الريح إلا ألَـقًـا وسموًّا ، فالرجالُ معادنٌ فخيارُهم هم خيارُهم لأهله وربعهِ وأنتم خيارُ الأهلِ وأنْفَسُ الرجال ، وكلّ كرامةٍ والأردنيونَ عشاقُها بخير وسلام ، ولشهدائنا جناتُ النعيم خالدينَ فيها ، وسلام على الذكرى وعلى كُلِّ مَنْ خلَّدَهَا نصرًا أبديًّا على ضفتي نهر الشريعة المقدس ، فالدم واحدٌ والروحُ واحدة ، وفلسطين من الماء إلى الماء نهرٌ من الوجدِ يجري رَصَاصًا في أنفاسنا حتى ينهضَ الجليلُ من كبوةِ الزمان وغِيْلَةِ المطايا الجامحةِ فيقرأَ العُهْدَةَ العمريةَ على ضوء قناديل الأقصى المباركِ أهلُهُ ، صلواتُنا في محاريبِ مؤتة واليرموك وحطين وعين جالوت وأسوار القدس وباب الواد والكرامة أمجادٌ نتنفسها من أرضٍ لمَّا ترتوِ بعدُ من الشهادةِ والصهيلِ وترتيلةِ الأنفالِ ، ولن يصيرَ الدمُ ماءً بل هو وسامٌ ووِشاحٌ وعِمامة، كل كرامة والأردنُّ على هُدُبِ الجفون مرفوعًا عاليًا.