سمعنا كثيرا عن الاقتصاد المعرفي وهو قطاع صاعد جديد يضاف إلى القطاعات الإنتاجية الأخرى كالزراعة والصناعة والتعدين والخدمات التقليدية الأخرى كالصحة والتعليم.
لكنا لم نر فعاليات هذا القطاع حتى الآن في بلدنا إلا بالقدر الذي نقرأ فيه عن صادرات محدودة لخدمات الكمبيوتر، والتي نعتقد أن لديها إمكانيات هائلة للنمو ما زالت مفتوحة لذوي الطموح.
أما أول خبطـة معرفية يشـهدها الأردن فكانت صفقـة استحواذ (ياهو)، وهي ثاني أكبر شبكة انترنت في العالم، على (مكتوب)، وهي شركة انترنت أردنية، يقع مكتبها على الدوار الثاني في جبل عمان.
اندماج (مكتوب) في (ياهو) سيمكن الأخيرة من النطق بالعربية بحيث ترسل وتستقبل البريد الإلكتروني باللغة العربية، الأمر الذي كان عملاق الإنترنت (جوجل) ينفرد به.
ما ستدفع (ياهو) 85 مليون دولار للحصول عليه ليس موجودات (مكتوب) من الأثاث والتجهيزات البسيطة، بل نتاج فكر مجموعة من الشباب المبدعين. (ياهو) اشترت منتوجا معرفيا مصنوعا في الأردن.
هذه الصفقة مهمة للعالم العربي لأنها تضع اللغة العربية على قائمة أهم اللغات الحية في عالم اليوم، وهي مهمة للأردن الذي قدم هذه الخدمة وأنتج عملا معرفيا متميزا تحتاجه شركة كبرى مثل (ياهو)، مما يشكل شهادة بكفاءة الشباب الأردني، وقدرته على الإبداع المعرفي، بما يعوض الفقر في الموارد الطبيعية ويطبق شعار الإنسان أغلى ما نملك.
لا نقف طويلا أمام 85 مليون دولار ستدفعها (ياهو) لشراء (مكتوب) على أهمية المبلغ، ولكنا نقف طويلا أمام إنجاز وطني سيكون له ما بعـده، فالنجاح يجر النجاح.
أهم ما يملكه الأردن هو العنصر البشري، وأهم ما يناسب العنصر البشري هـو الاقتصاد المعرفي الذي لا يحتاج إلى اسـتثمارات هائلـة وموارد طبيعية، بل إلى عقول مبدعة.
صفقة (مكتوب) لم ترسلنا إلى أميركا ولكنها جاءت بأميركا إلينا. ونجاح التجربة سيعني أن أعدادا من الشباب الأردني المتخصص بالإنترنت والكمبيوتر سيجد فرص عمل ذات قيمة مضافة عالية، فالفرع العربي من (ياهو) سيخلق مئات فرص عمل محلية دون الحاجة للاغتراب.
الراي.