فيما كدنا نستسلم لحالة «العجز» التي اطبقت على عالمنا العربي، خرج الفتى الصغير عمر ابو ليلى من «سلفيت « ليعيد الينا ما افتقدناه من امل، ويضيف الى اعمارنا عمرا جديدا.
ويا لها من مفارقة، الامة بكل ما تمتلكه من مقدرات في كفة تنتظر مصير قضيتها الاولى ومقدساتها دون ان تتحرك للدفاع عنها،، وعمر الذي لم يبلغ العشرين من عمره بجسمه النحيل « والشيكلات» المدين بها على صاحب الدكان، في كفة اخرى، لكنها اثقل، يتحرك على قدميه النحيلتين، اعزل من السلاح فيربك العدو، ويستولي على اسلحة جنوده، ثم يقتل ويصيب نحو 12 منهم، ثم ينسحب ويختفي، وبعد ايام يصل خبره الى العسعس، فيجهّز العدو وحدة كاملة مؤللة بأحدث الاسلحة لمهاجمته، وبعد النزال يرتقي عمر المحاصر في منزله شهيدا مجللا بالغار.
يشبهنا «عمر « تماما، يشبهنا نحن الاردنيين والفلسطينيين المغروسون كسنابل القمح في الحقول، فنحن مثل «عمر» كنا نقف وحيدين في مواجهة صفقة مغشوشة يتواطأ على تمريرها الخصوم والاقربون، ونحن مثله كنا نبحث وسط حطام الضعف والاستضعاف عن همة ننقشها باظافرنا في الصخر، وعن روح تعيد لامتنا «اوكسجين « الحياة، ونحن مثله يدفعنا الاحساس بالخيبة ممن ومما حولنا الى المغامرة بكل ثمين لنحافظ على اوطاننا لتبقى عزيزة، وعلى مقدساتنا لنبقى اعزة واحرارا.
كنا بحاجة الى روح عمر لترفرف حولنا، ليس فقط من اجل ان تبعث برسائلها للعدو الذي اشهر وفاتنا وقرأ مزاميره على ارواحنا «الطاهرة»، وانما من اجل ان تذكرنا بأننا امة لم تمت بعد، فهنا وهناك، في البقعة المقدسة وما حولها تلد النساء في بلادنا مع طلوع كل فجر الف ..الف عمر، وهناك حيث ترفع القباب آذانها وتدق الكنائس اجراسها، ويردد الصامدون اهازيج المقاومة، تخرج ارادة اقوى من الصخر، وايمان لا تزعزعه الهزائم، وامة لا تهاب من الموت .
مقابل صفقة القرن التي يريدون ان تكون قدرنا المحتوم الذي لا مفر منه الا اليه، ثمة صفقة اخرى معجونة بالصمود والمقاومة ومجبولة بالدماء الغالية ، هذه رسالة عمر التي اراد ان تصل الينا واليهم على حد سواء، وهذا هو «قدرنا» الصحيح الذي كتبه لنا عمر لكي نتمسك به امام جحافل الجراد التي تحاول ان تسطو على حقولنا الخضراء، ولكي نقذف به وجوه الابطال «الكاذبين» الذين يتقافزون على مسارحنا، تارة باسم الجهاد والدين وتارة باسم النضال و السياسة.
بعد «عمر « الشهيد الكبير ..الاكبر من كل ما نراه من «ازلام «، وبعد» عمر» البطل الذي اهدانا اجمل ايام عمره على طبق من كرامة، سينقلب السحر على الساحر، وسنكتشف - مثلما يكتشفون- بان الطريق الى القدس سيكون وعرا ومرصوفا بالجماجم والدماء، وان العبث بنواميس الامة الدينية والقومية سيفجر براكين الغضب في كل مكان .
ألقيت يا عمر عصاك في «بحر» استكبارهم، فتلقفهم دمك، واغرقتهم صيحتك، ثم انشق امامنا البحر لنعبر الى كرامتنا، ونصنع غدنا الجديد بما وهبت قناديلنا من دم، وبالفتيل الذي صنعته يا عمر يداك.
الدستور