ثمة فارق كبیر بین التأطیر والقول إن القوة القائمة بالاحتلال؛ إسرائیل، تنتھك القانون الدولي بشأن المدینة المقدسة، تواجھھا بذلك أوراق الضغط الأردنیة القانونیة والدبلوماسیة والسیاسیة والأمنیة، وبین التلمیح والتشكیك بعدم كفایة ھذه الضغوط، وكأن المشكلة بنوع الضغوط وحجمھا ولیس بالمحتل المرتكب للانتھاكات المستمرة. ھذا شأن خطیر جلل یتجاوز عن جوھر الصراع المتمثل بالانتھاكات الإسرائیلیة لیحول الأمر إلى خلاف حول الموقف الأردني وجدواه.
ھذا تماما ما تریده إسرائیل.
ھذا التشكیك معیب یقفز عن البدیھیات الموضوعیة المرتبطة بملف الدفاع عن القدس والحفاظ على وضعھا التاریخي الإسلامي والمسیحي؛ فلولا الوصایة الھاشمیة المسنودة تاریخیا وقانونیا لكنا الیوم أمام حقائق مختلفة تماما، ولغیرت إسرائیل ھویة ھذه المدینة التاریخیة. لو لم یوظف الأردن أوراقھ القانونیة والسیاسیة والأمنیة والوقفیة لنصرة القدس والمقدسیین وللوقوف أمام محاولات تغییر الأوضاع القائمة لمضت إسرائیل بالتغییر من دون رادع.
أقسى درجات المواجھة بین الأردن وإسرائیل كانت تلك المرتبطة بملف القدس، لاھتمام جلالة الملك الشخصي بھذا الشأن، ولقناعتھ أنھ شأن جلل ورثھ منذ البیعة في العام 1924 ،ولعمق تأثیر ھذا الملف على العالم الإسلامي والمسیحي. الأردن وضع وبكل ثقلھ كافة وسائل الضغط، ما ظھر منھا وما بطن، لیقف في وجھ كل محالات تغییر الأوضاع التاریخیة للمدینة المقدسة.
الأردن وملكھ یعتبر الذود عن القدس مھمة تاریخیة عظیمة، یقوم بھا بالنیابة عن الأمتین؛ العربیة والإسلامیة، ورأس حربة لھما، لا ینافس بذلك أحدا ولا یسعى لأخذ دور أحد. وقد یبدو ذلك بالاتفاق الموقع بین جلالة الملك كوریث للوصایة التي بایع فیھا وجھاء فلسطین جده شریف مكة الذي أبى إلا أن یدفن في القدس، وبین الرئیس الفلسطیني محمود عباس، حیث نص الاتفاق وبوضوح على أن السیادة على الأماكن المقدسة للدولة الفلسطینیة.
السلطة الفلسطینیة وقعت الاتفاق حمایة للقدس ولأن الوصي الھاشمي التاریخي للمقدسات ھو الأكثر قدرة على حمایتھا بما یمتلك من أدوات قانونیة وسیاسیة ودبلوماسیة ووقفیة وأمنیة.
إسرائیل صاحبة مصلحة ونھج مستمر بخلق الانقسام حول قضایاھا التفاوضیة لتعظیم مكاسبھا، فھي تجاھر مثلا في أنھا تتخذ قرارات لتعزیز استمرار انقسام حماس وشق الصف الفلسطیني.
أي حدیث أو سلوك یظھر انقساما في ملف القدس یصب مباشرة في صالح النھج الإسرائیلي، فما بالنا بالحدیث عن موقف الأردن الذي تصدى مرارا وبصلابة، وغالبا وحیدا، في وجھ محاولات إسرائیل المساس بالقدس.
ملف القدس ھو ملف كبیر وواسع، وھو أیضا في غایة الأھمیة والحساسیة، ویحتاج إلى حكمة وعقل راجح والنأي عن توظیفھ سیاسیا أو إخضاعھ للغة المزاودات الشعبویة. بالنسبة للأردن وقیادتھ ھذا ملف مصیري ضارب في عمق التاریخ، ولن یھدأ للأردن وملكھ بال إلا بقدس حافظة لأوضاعھا التاریخیة، وجامعة للأدیان والحضارات، ورمز للسلام لا شرارة للصراع.
الغد