غزوة نيوزيلاندا - 2
اللواء المتقاعد مروان العمد
20-03-2019 03:05 PM
في القسم الاول من مقالي عن العملية الارهابية في نيوزيلاندا ، تحدثت عن تنامي التطرف والعنصرية لدى بعض الاحزاب والتنظيمات الاوروبية ضد المسلمين . ووصلت الى ان قلت ومن وسط هذا المستنقع ظهر هذا المسخ الذي يدعى برينتون هاريسون تارانت والذي يحمل الجنسية الاسترالية من ابوين بريطانيين ومن اصول اسكتلنديه ايرلنديه انجليزية حسب تعبيره .
والذي ذهب الى نيوزيلندا ليمارس ارهابه بحق مسلمين مقيمين هناك في وسط غير معادي للاسلام والمسلمين ولا للمهاجرين . واختار ان تكون عمليته القذرة في مسجدين وفي يوم جمعة حيث يتواجد في المساجد اعداداً كبيرة من المصلين رجالاً ونساءً واطفالاً . وقد حرص قبل ارتكابة لجريمته ان يعد بياناً من اربع وثمانين صفحة نشره على صفحته الشخصية على تويتر وحرص على ايصاله الى المسؤولين النيوزلنديين ومنهم رئيسة الوزراء قبل قيامه بعمليته الاجرامية بعشر دقائق .
وقد عبر هذا البيان عن مدى حقده على المسلمين والذين وصفهم بالغزاة المسلمين الذين يحتلون الاراضي الاوروبية . ودعى في بيانه الى قتل المستشارة الالمانية انجيلا ميركل لفتحها باب الهجرة امام المسلمين الى المانيا والرئيس التركي رجب طيب اردوغان واشاد بالرئيس العنصري الامريكي دونالد ترامب وقال انه يتمنى قتل اكبر عدد من الغزاة المسلمين . وكما حرص على ان يصور العملية التي قام بها في مسجد النور بكاميرا موضوعة على رأسه ويبث منها مباشرة من خلال صفحته على الفيسبوك .
واقتحم المسجد وهو يطلق النار على المصلين الذين به ويكرر اطلاق الرصاص عليهم ليتأكد من موتهم وكان يعيد تذخير سلاحه ثم يذهب الى سيارته لجلب سلاح جديد ويعاود اطلاق الرصاص على المتواجدين . وعندما كان يخرج الى الخارج كان يطلق الرصاص على المسلمين خارجه ومنهم سيدة اطلق النار عليها وفي مرة اخرى وعندما شاهدها لا تزال حية اطلق الرصاص على رأسها من النقطة صفر ، وكل ذلك وكأنه برنامج من برامج الالعاب الالكترونية ودون ان يرجف له جفن اويعتريه اي تردد .
ثم غادر مكان جريمته بسيارته وهو يطلق الرصاص من خلالها على من يتعرف عليهم بالشارع بأنهم مسلمين وقتل عدداً منهم . وكان اثناء وجوده في السيارة يضع موسيقى تصويرية هي عبارة عن اغاني صربية كان الصرب يتغنون بها في حربهم على مسلمي البوسنا وسربرنيتشيا . ثم توجه الى مسجد لينوور الذي يبعد عن مسجد النور ثمانية كيلوا مترات وقام باطلق الرصاص على المصلين فيه وقتل سبعة منهم وجرح آخرين . ثم تابع مسيره بالسيارة الى ان تم اعتقاله من قبل الشرطة النيوزلنديه وبعد ثلاثه وثمانون دقيقة من انطلاق حملته . وكان وكما قالت رئيسة وزراء نيوزيلاندا ينوي ان يواصل مهاجمة اهداف اخرى وانه كان لا يزال في سيارته سلاحان اتوماتيكيان .
وقد اعلنت نيوزيلندا حكومة وشعباً عن ادانتهم لهذه العملية التي وصفوها بالارهابية واصدرت رئيسة الحكومة عدة بيانات تعلن فيها تعاطفها مع الضحايا وذويهم وقالت ان هذا يوم اسود في تاريخ البلاد وعلى درجة غير مسبوقة من العنف وانه لامكان في بلادها لمثل هذه الظاهرة والتي كان يعيش المهاجرون اليها بمن فيهم المسلمين بسلام وامان . كما صرحت في وقت لاحق بأن من قام بالعملية ارهابي ومجرم ومتطرف ولا يستحق ان يذكر اسمه وانه سوف يحاكم بمنتهى الحزم .
كما تحدثت مديرة مسلمة في الشرطة النيوزلندية ( وليست مديرة الشرطة النيوزلندية كما تم نشره وتداوله ) حيث ادانت العملية التخريبة وهي تبكي . وفي الايام التي تلت ذلك تردد على المسجدين اللذين وقع عليهما الهجوم الكثير من النيوزلنديين واعلنوا تعاطفهم مع المسلمين فيها ووضعوا باقات الورود على الرصيف . ودخل بعضهم الى داخل المسجدين ليسمعوا تفاصيل ما حدث . كما تجمعت اعداداً غفيرة منهم امام مسجد النور لمشاهدة مكان الحادث وسماع تفاصيل ما حدث .
كما تم رفع الاذآن في جامعة كانبيري وسط مدينة كرايست تشيريش وسط حضور كبير من طلبتها ، كما تليت آيات من كتاب الله عز وجل من قبل احد الشيوخ المسلمين في بداية اجتماع لمجلس النواب النيوزيلاندي ، مما يشير الا ان الامر ليس بين مسلمين ومسيحيين ولكن بين متطرفين ضد ابرياء . كما اعلن رئيس وزراء استراليا التي يحمل الارهابي جنسيتها ادانته للعملية ووصفها بأنها ارهابية . كما اقيمت الصلاة ورُفع الآذان لاول مرة وسط مدينة مالبورن بمشاركة اعداداً كبيرة من المسلمين وتحت نظر الالاف من الاستراليين الذين حضرو ليشهدوا ذلك ، غير انه خرج سيناتور استرالي واصدر بياناً يبرر فيه الهجوم ملقياً اللوم على المسلمين المهاجرين وان الاسلام يمثل ايدولوجية العنف ، وقال ان السبب الحقيقي لأراقة الدماء في نيوزيلاندا هو برنامج الهجرة الذي يسمح للمسلمين بالهجرة اليها . وقال ربما يكون المسلمون ضحية اليوم ولكنهم في العادة هم المنفذون على مستوى العالم حيث يقتلون الناس بمستويات عالية بأسم دينهم . مما اثار ضجة كبيرة ضده في استراليا وخارجها ومما جعل مراهق استرالي ان يكسر بيضة فاسدة في رأسه . كما اصدر العديد من زعماء العالم بيانات وتصريحات ادانت فيها هذه العملية الارهابية ، وابدى العديد من المواطنين في العالم تعاطفهم مع الضحايا وادانتهم للعملية .
الا انني لي عدة ملاحظات ووجهات نظر ارغب في ذكرها وهي
اولاً انه وحتى هذه اللحظة لم يعلن فيما اذا كان لهذا المجرم شركاء آخرين ام لا بالرغم من ان رئيسة الوزراء اعلنت انه تم توقيف ثلاثة مشبوهين افرج فيما بعد عن احدهم ، وخاصة انه اشيع في البداية ان من قام بالهجوم على المسجد الثاني هم رجلان وامرأة
وثاني الملاحظات فهي تتعلق بالكتابات التي كانت على الاسلحة التي استخدمها المجرم في هجومه ودلالاتها والتي تعود الى اسماء معارك دارت بين الاوروبين والمسلمين وانتهت بهزيمة المسلمين وقتل الكثيرين منهم وكانت نقاطاً فاصلة في التاريخ حيث ان احداها انهت احلام الدولة الاموية في الاندلس بالتوسع داخل اوروبا والثانية انهت احلام الدولة العثمانية عن فعل ذلك مع ذكر تواريخ هذه المعارك واسماء قادتها الاوروبيين . وهو يريد بذلك ايصال رسالة الى ان ما سيفعله سيكون هزيمة للمسلمين على غرار الهزائم السابقة تنهي سلسلة غزواتهم حسب تعبيره للدول الاوروبية عن طريق الحرب قديماً والهجرة حالياً ، حيث قال في بيانه على تويتر ان صدمة ما بعد افعالي سيكون لها تداعيات في السنوات المقبلة وعلى الخطاب السياسي والاجتماعي وستخلق جواً من الخوف وان هذا التغيير هو المطلوب . ولعله هدف من ذلك انه بعد هذه الحادثة التي قام بها ضد المهاجرين المسلمين الى نيوزيلندا فأن آخرين سوف يقومون بمثلها في دول مختلفة من العالم مما سيترتب علية عودة المهاجرين المسلمين من الدول الغربية الى دولهم الاصلية وبذلك تتنتهي احلامهم بغزو الدول الغربية .
ومن هنا ولأنه كان يصف المعارك بين المسلمين والدول الاوروبية في تلك الحقبة بأنها عمليات غزو من قبل المسلمين . وان تواجد المسلمين في اوروبا وزيادة اعدادهم هي عمليات غزو لها وانه يريد ان يضع حداً لعمليات الغزو هذه عن طريق عمليته فقد اطلقت عليها مجازاً غزوة نيوزيلاندا ( على غرار ما اطلقه الارهابيون قبل سنوات على عملية تفجير الفنادق في عمان حيث سموها بغزوة عمان ) وجعلتها عنواناً لمقالتي .
وثالث الملاحظات فأنه وبالرغم من صدور ادانات للعملية من العديد من الدول الغربية وشعوبها الا انها لم ترقى الى مستوى الادانات التي كانت تجري عندما كان الضحايا منهم والفاعلون من المسلمين المنتمين للتنظيمات الارهابية التي تتستر بالاسلام . ويضاف الى ذلك الكثير من التعليقات على ما نشره بعض الاوروبيين على الفيسبوك والتي كانت تشيد بهذه العملية وتدعوا للمزيد منها .
حتى ان وزير خارجية ايطاليا قال ان الارهاب فقط هو اسلامي وان عملية اليوم هي عمل فردي من انسان حاقد على المسلمين . كما انه وخلال الايام الماضية قامت الشرطة البريطانية بمجموعة من الاعتقالات على خلفيات اعمال ارهاب وعنصرية موجهة للمسلمين من بينها عمليات طعن بألسكين ومنها توجيه عبارات عنصرية لبعض المسلمين ومنها تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي تعلن تأيدها لعملية نيوزيلاندا وتدعوا للقيام بمثلها ضد المسلمين في كل مكان . كما انه وعلى اثر عملية القتل التي جرت في هولندا قبل يومين والتي يثور شك بأنها وقعت على خلفية ارهابية ، فقد سارعت قوات الشرطة الهولندية لتقوم بتأمين الحماية لمساجد المسلمين فيها تحسباً لوقوع عمليات ارهابية ضدها .
ثم والملاحظة الاهم فأنني لم المس ادانة عربية اسلامية على نطاق واسع لهذه العملية الارهابية لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي . بل ان البعض وصف الحادثة بأنها عمليه اطلاق الرصاص من قبل شخص على مصلين داخل المساجد ودون وصف هذا العمل بأنه هجوم ارهابي او ان الذي قام به شخص ارهابي.
والملاحظة الاخيرة فقد اثبتت ردود الفعل على هذه العملية في الاردن مدى التلاحم ما بين مسلمية ومسيحية والذين عبروا عن استنكارهم والمهم وحزنهم على هذه العملية وضحاياها مثلهم مثل المسلمين.