مع إطلالة هذا الشهر قُدّر لي، بدعوة كريمة، أن أزور البحرين، المملكة التي لا يمكن أن تصفها إلا بالصدر الحنون، والتي لا يمكن أنْ تصف أهلها إلا باللطف والطيبة والطلّة المبتسمة، وبذلك الإشراق الذي تَلْقاه منذ أنْ تطأ أقدامك أرض المنامة أو أي من أطراف المملكة الطيّبة.
قضت فيها سبعة أيام أحسست أن كل نهار منها كان يريد أن يتفلّت من المغيب، وأنّ الشمس ما أن تَبْزُغ على صباح البحرين، حتى تبدأ تتشبت بمواقعها لا تريد أنْ تغادر. وإذا ما أطلّ المساء تراه وقد بدأ يترنح خوفاً من أنْ يُداهمه النهار، يريد أن يظل يهدهد الطفلة الرضيّة الراضية منادياً كل أطراف الأرض "أن لا توقظوا حبيبتي".
البحرين تسكن في حضن التاريخ منذ أن نشأت، واستدارت حول الجغرافيا والأيام والأقدار والقدرة والوعي والاستجابة الراشدة. البحرين تقوم وتقعد، وتصحو وتنام على ترانيم الانتماء والولاء المتبادل بين الحاكم والرعيّة ولكن بين البحريني والبحريني، وبين الشجر والظل، وبين البحر والشاطئ، وبين المواطن والوافد، وبين الصغير والكبير، وبين البداية والمسير، وبين القدرة والاقتدار.
البحرين عروس زفّتها ملائكة الرحمة، وقادتها خيول الرحمن، وحفّتها الرعاية الإلهية، مع اللحظة الأولى التي ولِدت فيها، والآن هي فتاة تتحلى بأجمل إطلالة، وتتمختر على الهَدّى وتنام على الهُدَى، بين أناملها تَصْنع الأيام ازدهارها، وتحت أهدافها ينام المتعبون، ومن يديها يأكل الجوعى، وبلمساتها يشفى المرضى.
البحرين مملكة نظيفة من كال الأدران، ونقية من كل الشجون، يحميها ربها الذي تؤمن أنه يحرسها من كل شيطان، ويحفظها من كل أفاق. البحرين مملكة تقوم على أمرها أسرةٌ مباركة على رأسها ملك تحس أنه مصدر كل الأبوّة، وحوله من أهله أفراد كبار النفوس، وولاة عهد صادقين، ورئيس وزراء ووزراء يتسابقون في خدمة أناسيّهم وأهليهم، ومن هنا ندرك أن هذا الولاء المتبادل والانتماء المتبادل بين الحكام والناس إنما هو متولد من هذا الحب الذي يملك الطرفين.
الفرد في البحرين، مواطناً أم مقيماً، يشعر أنه محاط برعاية الحاكم وأهله، والحاكم وأهله يؤمنون أن هذا الرضا الحر الذي يملأ قلوب المواطنين وضيوفهم إنما متأتي من الصدق والتفاني وحسن الأداء الذي يقوم به هذا الحاكم ورفاقه.
هناك مشكلة تواجهك إنْ سكنت البحرين، أو حتى إنْ زرتها عَرَضاً، وهي أنك تجد صعوبة، وتحس بغصة في حلقك ، وألماً في قلبك، إنْ عزمت على الرحيل أو انتهى الأمر الذي وفدت من أجله، وهذا سببه أن الناس هناك يعيشون في رَغَدٍ من الهدوء والطمأنينة والأمن والاستقرار، وكلهم مملؤن بالسعادة.
هذه المشكلة أنزلت دموع صديقي الذي سبق وأنْ عاش في البحرين رَدْحاً من الزمن، بعدها اضطر إلى المغادرة، كان يقول لي: أحسست أن نفسي خرجت من رئتي، فلم أعْد أستطيع أن أتنفس، لذلك، يضيف، أوكلت الأمر إلى عيوني لتدمع. وبالفعل أحسست بشيء من هذا ورفيقي يقودني نحو المطار للمغادرة.
اللهم إحم البحرين ملكاً واسرة مالكة وأناسي ومقيمين وتراباً وهواءً وماءً، وأجعل أيام أهلها طاهرة بعد أن غسلها مئة بحر وليس بحرين فقط.