بعد كل تقرير يصدره ديوان المحاسبة يبرز حديث عن تبعية الديوان وتعيين رئيسه، بين أن يكون لرئيس الوزراء أم لمجلس النواب والعنوان هو استقلاليته التي يجب ألا تتأثر بسلطة أو نفوذ.
في المراسم يذهب رئيس الديوان حاملاً نسخاً من التقرير الضخم ويسلمه لرؤساء الوزراء والأعيان والنواب, ما يعني أن السلطتين التشريعية والتنفيذية معنيتان بما يرد فيه من ملاحظات لكن بعيدا عن تداعيات مثل هذا الخلاف فغالبا ما تأتي تقارير «الديوان» نارية وتحول إلى منصة للإثارة.
في ظل هذه الأجواء من الطبيعي أن يتلقف الرأي العام المخالفات الواردة في التقرير باعتبارها كشفا خطيرا لقضايا فساد لم يكشف عنها النقاب مع أنها وقعت خلال سنة أو سنوات مضت ويفترض أن تكون الحكومة على علم بها وعالجتها بإعتبار أن رقابة الديوان مسبقة.
التقارير موضوع النقاش في مجلس النواب تغطي سنوات مضت والحكومات المعنية فيها لم تعد موجودة فليس بإمكانها الدفاع عن نفسها أو تقديم إيضاحات حول مخالفات ربما تم تصويبها أو أجرت فيها عقوبات ومن الطبيعي أن تتولى الحكومة الراهنة هذه المهمة.
في هذا المجال أحسنت الحكومة صنعاً إذ قررت أن تكون التقارير ربعية والمحاسبة تجري عن ممارسات قامت بها ولم ترثها بدلاً من انتظار انتهاء سنة أو سنوات تكون فيها الحكومة قد رحلت.
كثير من القضايا الواردة في التقرير جرى الكشف عنها في سنوات سابقة وبعضها تم تصويبه لكن الديوان يحرص على توثيقها دون الإشارة الى أن تصويبا أو إجراء قد أتخذ فيها لذلك فهي لا تستوجب النقاش ولا تستحق أن تصبح قضية تذهب الى القضاء أو الى مكافحة الفساد.
ليس من أهداف ديوان المحاسبة إنتاج قضايا جاهزة للمحاكمة فمهمته تصويب الاخطاء وردع مسبق للمخالفات فديوان المحاسبة مثل المدقق الخارجي في الشركات مهمته، كشف الأخطاء لمصلحة صاحب العمل وهو هنا الحكومة وللمساهمين وهم هنا الرأي العام والمواطن دافع الضرائب وخلفه مجلس الأمة بشقيه أعيان ونواب، فالمصلحة في التقرير هنا مشتركة فصاحب العمل يفترض به أن يكون سعيدا بمن يحفظ له ماله وأعماله من الهدر والاعتداء والمساهم من جانبه يفترض أن يكون مطمئنا للرقابة على مصالحه واستثماراته.
ما دامت تقارير الديوان تتحدث عن أخطاء وممارسات جرت تحت إدارة مسؤولين أخلوا مواقعهم فمن حق هؤلاء المسؤولين الدفاع عن أنفسهم وإبداء ملاحظاتهم على التقارير.
qadmaniisam@yahoo.com
الرأي