فيما يقترِب موعد انتخابات برلمان العدو الصهيوني (الكنيست 21) وتتضارب استطلاعات الرأي حول أي من المُعسكرَيْن المتنافِسيْن (اليمين الفاشي والديني الصهيوني بزعامة نتانياهو وتحالف «أزرق أبيض» أو حزب الجنرالات الثلاثة بزعامة رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس مع رئيس حزب يوجد مستقبل.. يئير لبيد)، أي منهما سيتمكّن من توفير نصف عدد الأعضاء (128) ليتم تكليفه تشكيل ائتلاف جديد، تدخل الحملة الانتخابية مرحلة مَحمومَة ومنفلِتة الضوابط على مختلف الصعد, لا يتورّع «نجماها».. نتانياهو الذي يخشى فقدان مستقبله السياسي والاحتمالات الواردة لدخوله السجن بتهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ورئيس أركان سابق دخل الحلبة السياسية بقوة لافتة, منحته اياها استطلاعات رأي رأت فيه جنرالا رفيعا في جيش الاحتلال الفاشي, الشخصية القادرة على تحدّي نتانياهو وربما إسقاطه, حيث لم يعد أحد في اليمين الفاشي قادرا على اطاحته أو منافسته, ما بالك خصومه وخصوصاً في احزاب يسار الوسط الذين لم يستطيعوا فرز شخصية ذات وزن يمكنها إقناع الناخبين المؤيدين للاحزاب الفاشية «القومية» والدينية الداعمة للاستيطان والواقفة خلف تمرير قانون القومية العنصري والداعية الى ضم المنطقة «ج» الى دولة العدو فحسب, بل وايضا في استمرار تشرذمها وسقوطها في فخ الصراع على الزعامة واتّساع رقعة الخلافات في ما بينها, على نحو طمأَن نتانياهو بأنه سيعود رئيساً لائتلاف يميني, قد يُوفِّر له مَظلّة حماية «برلمانية وإعلامية» تحول دون دخوله السجن أو اعتزاله السياسية.. وهذا ما وفّره بروز جنرال الإحتياط غانتس, الذي أسّس حزباً أسماه «مناعة إسرائيل».
نتانياهو المنفلت وغير القادر على استيعاب حقيقة ان نجمه السياسي آخذ بالأفول, أكّدها عدد ووزن الذين فرّوا من سفينته الجانحة, ومعظمهم كانوا من مساعديه وبطانته المُقرّبة وباتوا شهود إثبات لدى النيابة العامة, لم يُوفِّر سلاحاً او يلتزم أي موانع قانونية او وازع أخلاقي للمسّ بمنافسه (غانتس), حيث بات الأخير يشكل كابوساً سياسياً وشخصياً له.
وعندما لم تنجح كل محاولات تصويره بانه «يسارِي مُتخَفٍ» وانه سيشكل حكومة تستند الى اصوات النواب العرب, الذين يَدْعون لِـ"إبادة» إسرائيل, بل شنّ أنصاره حملة تشكيك إعلامية في مواقفه كرئيس أركان سابق إبان عدوان «الجرف الصامد» على غزة في العام 2014, وقبلها عدوان «عمود السحاب» في العام 2012. وأنه – يَتّهِمه قادة الليكود – بالتوصية بعدم اجتياح قطاع غزة.
المعركة بين نتانياهو وغانتس فقدت كوابحها, وبات الإستهداف الشخصي جزءاً من يوميات قادة العدو والإعلام المساند لكل منهما. وإذ وجدَ نتنياهو «ضالته» في هاتف غانتس النقّال, الذي قيل إن إيران «اخترَقَته", وأن المعلومات التي يحتويها هاتف رئيس الأركان الأسبق قد باتت في حوزة الإيرانيين، فإن غانتس الذي أظهَر ارتباكاً بعد «التسريب» المقصود هذا, ما لبث ان بدأ هجوماً مُضاداً فاتحاً النار على نتنياهو مُتهِماً إياه بأنه تاجَرَ بـ"الأَمْن» من أجل رِبح شخصي, وقام بالإلتفاف على أجهزة الأمن وعقد صفقة لبيع غوّاصات لـ"مِصر", ذاهباً بعيداً في إيراد «16» مليون شيكل (5ر4مليون دولار),كمبلغ ذهب إلى حساب نتنياهو من شرِكة مُرتبطة بعقد صفقة بيع الغوّاصات. واصِفاً العملية بأنها «أكبر قضية فساد في تاريخ إسرائيل» داعياً إلى فتح تحقيق في القضية.
ردّ نتنياهو لم يتأخّر, حيث ركّز على «حكاية الهاتف» المُختَرَق قائلاً: فيما أنا عملت على اختراق أرشيف إيران النووي, اخترَقَت إيران هاتف غانتس المَحمول.. هذا – أضاف نتنياهو – أمر مثير للسخرية لسببين: الأول أن غانتس كان نائب رئيس شركة أمن معلومات إسرائيلية «انهارت", والثاني هو أن غانتس عليه أن يُحافِظ على هاتِفه الشخصي, ثم وجّه سؤالاً يَعرف في قرارة نفسه أنه يُشكّل مادة دائمة على موائد الإسرائيليين, وهو «الأمن» متسائِلاً في لؤم لاذع: إذا لم ينجَح غانتس في ذلك, فكيف سيحافظ على دولتِنا؟.. ختم نتنياهو. الذي يعرف سحر الجنرالات والبزّات العسكرية على الناخِبين اليهود, لكنه يواصِل الزعم والإدِّعاء بأنه «مستر أمن» إسرائيل.
في السطر الأخير، الأسابيع الثلاثة المُتبقِّية على استحقاق التاسع من نيسان الإسرائيلي, ستكون حافلة بالمفاجآت وكشف المزيد من «الأسرار» التي يتراجع الإحساس بها لدى المتنافِسين على قيادة دولة الاحتلال الفاشِية, والذين يجمعهم هدف واحد, رغم التراشق الإعلامي العنيف ونفي الإنتماء لهذا المعسكر أو ذاك (يمين فاشي أو يسار مزعوم), وهو إقامة إسرائيل الكبرى وتكريسها دولة لـ"لشعب اليهودي» وليس دولة لجميع مواطنيها, كما غرّد نتنياهو. كذلك إبداء الفخر والزهو بعدد الذين تم قَتلهم في حروب إسرائيل العدوانية على الفلسطينيين والعرب، كما يُفاخر بصلف وتملّق الجنرال غانتس, أمام جمهوره وفي دعايته الإنتخابية ومُقابلاتِه الإعلامية.
طقوس صهيونية مُزيّفة والضحايا نحن. والأكثر قسوة وإيلاماً أن هناك من بين عرب وارسو, من يُغازِل العدو، ويتمَنّى من صميم قلبه «بقاء» نتنياهو في سُدّة الحُكم.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي