العنف الاجتماعي .. احتقان ام انحراف
ماجد ديباجة
03-09-2009 05:22 PM
تزايدت في الآونة الاخيرة حوادث القتل والعنف في المجتمع الاردني بشكل غريب لم يسبق له مثيل وتعددت صور العنف مابين الانتحار والانتقام والثار وجرائم الشرف وغيرها ، حيث اخذت هذه الحوادث منحى الظاهرة التي تؤرق المجتمع الاردني الذي اعتاد ان يغفو فوق واحة من الاسقرار والامان الاجتماعي لا تؤرقه شاردة ولا تشوبه واردة .
وقد اخذ المجتمع يصحو رويدا رويدا على مختلف صنوف وانواع الجرائم التي كنا نسمع عنها فنستغربها ونمقتها . ولعل مثل هذه الحوادث التي لايمكن ان تمر مرور الكرام على المهتمين والمعنيين بالامر الا وتستأثر ياهتمامهم وتحليلهم وبحثهم فيما يتعلق بالدوافع والاسباب التي ادت الى هذا الوضع المريب .
ان بروز هذه الظاهرة ( او الحوادث المتكررة ) في مجتمع كالمجتمع الاردني ، المعروف بجديته واستقراره وترابطه الاسري والاجتماعي المتين . تنم عن تحول كبير في منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية المتوارثة ، وتخلق مفاهيم اجتماعية وانماط سلوكية غير مسبوقة تتسلل الى النسيج القيمي للمجتمع . وتنخر فيه بما يتسبب في تغيير منظومته الاخلاقية والسلوكية .
واذا شرعنا بالبحث عما يفند ويفسر هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا المسالم بفطرته ، فاننا لانستبعد ان يكون للعوامل الاقتصادية والسياسية القائمة ، والمحيطة بالواقع الاجتماعي ، نصيب من هذا التحول ، ذلك ان هذه العوامل ، تتداخل بشكل كبير لتشكيل الانماط السلوكية الاجتماعية ، المنبثقة عن الواقع المعيشي للجماعات والكيانات البشرية .
فالانفتاح والتواصل والتلاقح الاعلامي مابين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية ، ومحاولات التقمص الممجوجة للتقاليد والعادات الطارئة على مجتمعنا ، بتاثيرات وسائل الاتصال المختلفة والتدهور الكبير في الظروف الاقتصادية لهذه المجتمعات ، التي تتسبب بالضغوط المادية والنفسية على افراد المجتمع ، وعدم قدرة المجتمعات النامية على محاكاة المجتمعات المتقدمة بشكل متوازن ومدروس ، مما يعمل على خلق فجوة كبيرة وتباين واضح في القيم والعادات ، كما ان غياب الفهم الناضح للتقدم والتطور بمعناه الفلسفي والتوعوي . ينعكس على مدى استيعاب المفاهيم والسلوكيات الحضارية الحديثة ، فضلا عن تغييب الراي والراي الاخر والاستئثار من قبل النخب المتنفذه بالمكتسبات المادية والجهوية والسلطوية ، على حساب المصلحة العامة والذي يولد امتعاضا واحتقانا متراكم لدى الشرائح المتهالكة في المجتمعات النامية .
ان كل هذا وغيره الكثير مما لايتسع المقام لذكره، لحري بخلق كم هائل من التراكمات النفسية والفكرية والمادية ، تلك التي تنعكس حتما على المسلكيات والانماط المعيشية لاي مجتمع كان ، فتؤدي الى تغيير كامل للقيم والمعايير الاخلاقية التي اعتاد عليها مجتمعنا ، وبالتالي فانني ازعم بكل اسف ان هذه المعطيات والعوامل تعد اسبابا ممكنة ومؤهلة لتكوين هذا الواقع المعيشي الجديد الذي نكابده ونعانيه . ونكابر احيانا في محاباته والتستر عليه خشية ان نصطدم بالواقع والحقيقة التي نعيشها ، فنكتشف ان الاوان قد فات لتلافي هذا الواقع وتدراك الامور .
اننا ندعو المؤسسات الوطنية والاجتماعية المعنية الى التصدي لدورها ومهامها بشكل واضح وواعي في نقد الواقع الذي نعيش ، وتبيان الحقائق ، وتشريح العوامل المؤثرة ودراسة مدى ضلوعها في تغيير هذا الواقع ، ووضع الاليات الممكنة لتجاوز هذا الواقع ، واجتراح الحلول والتصورات المستقبلية ، التي يمكن ان تفيد في تصحيح او تعديل الامور قدر الامكان .
وقد تأخذ هذه الخطوات وقتا طويلا ومساحة واسعة في الدراسة والمسح ، لكنها على الاقل تضع الحقائق على الطاولة امام المسؤولين والمعنيين بما يجري ، ليصار الى تنقيبها وتمحيصها والوقوف عليها بغية تدارك الوضع القائم ، المنذر بالاسوأ عافانا وعافاكم الله .