يا معالي الوزيرة هذه علاقتنا بالدولة
د. محمد عبدالكريم الزيود
19-03-2019 06:05 PM
لم أفهم للآن تصريح وزيرة التخطيط قبل أيام أن الحكومة ستعيد تعريف علاقة الأردنيين بالدولة ، وأعترف أني صمتت أمام هذا التصريح ولم أفهمه ، ولكن يخيّل لي أن الأردنيين يعرفون علاقتهم بدولتهم أكثر من الوزراء الذين صعدوا إلى الكراسي على حين غرة ، أو هبطوا بالمظلات على المناصب ولم يصعدوا سلّم الوظائف مثل كل الأردنيين الكادحين الفقراء المحبين لبلدهم .
الأردنيون يا معالي الوزيرة فيهم وجع وفيهم عتب على الدولة التي حموها آبائهم ذات زمن من الأعداء وبنوها شبرا شبرا ، وعلو مداميكها بالمحبة والدم ، ولم ينتظروا مقابل ذلك " لا عنبا ولا تينا " ، وكنت أنت تقيمين خارج البلاد ولا تعرفي من الدولة إلا جواز السفر ونظريات الإقتصاد ومكيافلي والتشيزكيك.
نعرف الدولة أكثر منكِ ، نحن أحفاد وأبناء العسكر والفلاحين ، هم من زرعوا قلوبهم مآذن على حدودها ، ودافعوا عنها عندما تخلّى الجميع عنها، وعندما مسّها عاديات الزمن فما خذلوها يوما ، ونحن نعرف أيضا الموارس والمروج التي تشبه عروق آبائنا ، ونعرف وجه الغيم الذي يشبه وجوه أمهاتنا عندما يزور البلاد فيهطل خيرا وبدعواتهم وليس بتخطيطكم الفاشل .
علاقة الأردنيين بالدولة بُنيت على "المصحف والدم" ، وإختصرها صايل الشهوان عندما أشهر سيفه بوجه مدرعة الإنجليز رافضا للظلم والهوان ، ونقرأها أيضا في شعر نمر بن عدوان وعرار وحبيب الزيودي ، وبين أسطر خالد الكركي وناصر الدين الأسد وروكس العزيزي بأن "شمسها على حائطنا أجمل من كل الشموس على حيطان الدنيا ".
هل يحتاج الأردني إلى هذه الفذلكات الكاذبة ، وهل ما زالت الحكومات تبيع مشاريع الوهم والإنفصال عن الواقع للناس ، وتبتعد عن وجعهم من الفقر والبطالة ، والإنشغال بسفسطة الكلام بلا معنى ؛ دولة الإنتاج ومشروع النهضة والعقد الإجتماعي الجديد ، والناس في المحافظات الفقيرة تزحف إلى عمان تشكو وجعها ، والآباء يصطفون على شبابيك "العلاج الشهري " والآبناء يصطفون على دور الخدمة المدنية .
بل أقول تعالوا يا معشر الوزراء الجدد لنعرّف علاقتكم بالدولة ، وأن الوطن أكبر من الدولة وأكبر منكم ومن مناصبكم ، وأن دم الشهداء أصدق من نظرياتكم ، وأن وجع الناس لن يقاس بورشاتكم ومؤشراتكم ، نحن من بنينا الدولة وأنتم من باعها وباعنا لصندوق النقد والبنك الدولي ورهن رقابنا لهم، نحن فرشناها وجعا وحرسناها برموش حدقات العسكر وأنتم من فكفك مؤسساتها وشحد على ظهورنا ، نحن الدولة عندنا وصفي التل وحابس المجالي وحديثة الخريشا ويوسف العظم وأنتم الدولة عندكم ماركس ولينين وماكس فيبر وآدم سميث .
هذه علاقتنا بالدولة نعرفها جيدا ، لكن أنتم من يحتاجون التعريف بها من جديد .
حمى الله الوطن المبتلى