قیادة استثنائیة أبدتھا رئیسة الوزراء النیوزلندیة جاسیندا أردرن عقب الحادث الإرھابي البشع على مسجدین في بلدھا. تحدثت بلغة القائد الذي یجمع الشعب ویلملم الجراح، اھتمت بالمستضعفین المسلمین من مواطني الشعب، زارتھم وقدمت العزاء، ولبست غطاء الرأس احتراما لدینھم وتعالیمھم. ركزت على اللاعدالة والغضب والحزن الذي یشعر بھ الجمیع، مستثمرة ذلك لتوحید البلاد وطنیا ومعنویا. ھذه القیادة شجعت العدید من المبادرات الإنسانیة والوطنیة للوقوف بجانب أقلیة نیوزلندا المسلمة التي وقع علیھا الظلم والشر والإرھاب، وقضى من أبنائھا خمسون شھیدا منھم أربعة أردنیین، كل ذنبھم أنھم كانوا من دین مختلف. لم تكترث السیدة أردرن لأصوات الیمین المتطرف التي قد تھاجمھا، ولم تدخل بحسابات سیاسیة؛ قفزت عن كل ذلك لتنتصر لقیم الإنسانیة والأخلاق لتقول لأبناء وطنھا إن ما حدث لا یمثل شعبھا ولا بلدھا ولا الإنسانیة.
ما حدث ھز العالم؛ متطرف أخرق یسفك دماء أبریاء عزل متعبدین مسالمین، ویعتبر فعلتھ انتصارا لقناعات محقة موجودة عند كثیرین غیره ولا یراھا عنصریة أو متطرفة. أفكاره المتطرفة كانت موجودة سابقا، وستبقى لاحقا ولن تنتھي، وكل ما نستطیع فعلھ ھو الاستمرار بمحاولات السیطرة علیھا أمنیا وفكریا مع القناعة أنھا لن تتلاشى عن سطح ھذه الأرض. إنھا الحرب الأزلیة بین الخیر والشر التي یعج بھا تاریخ بني البشر، حرب لا تخص الجیوش وجحافلھا فقط بل كافة البشریة وقیمھا وأدیانھا. حرب جنودھا العلماء والخطباء والمعلمون والمفكرون والكتاب.
كان الأردن الأعمق والأشجع في التنبیھ للتطرف وخطورتھ من كافة المشارب، وفي معرض دفاعھ عن الإسلام السمح وصورتھ الحقیقیة قاد جلالة الملك جھدا إنسانیا دولیا نوعیا، مذكرا أن التطرف لا دین لھ، وأن المعركة ضد الإرھاب والتطرف الذي یرتكب ظلما باسم الإسلام ھي معركة المسلمین بالدرجة الأولى حفاظا على دینھم وذودا عن قیمھم. لقیت خطابات جلالة الملك أصداء عالمیة عمیقة، وكان أشد المنتفعین منھا الأقلیات المسلمة في جمیع أركان الأرض التي وجدت قائدا عربیا مسلما حفیدا للرسول وصاحب حضور ومصداقیة دولیة رفیعة یساعدھا في معركتھا لتبییض صفحة دینھا السمح.
ومنذ بدایة الحرب على الإرھاب، وقف الملك بخطاب للعرش مواجھا مقولة إن الحرب على الإرھاب لیست حربنا، وأعلن بكل شجاعة أن الحرب على الإرھاب ھي حربنا وحرب المسلمین والعرب بالدرجة الأولى، لأننا المعنیون المباشرون بالقضاء على من یرتكبون المجازر باسم دیننا. وحدد ثلاث جبھات للحرب على التطرف، مشددا على أن أصعبھا وأطولھا ستكون الجبھة الأیدیولوجیة التي تستھدف التطرف والتعصب الفكري الذي تنبثق عنھ أعمال العنف والقتل أیا كان الشكل الذي تتخذه. دعا الملك لمواجھة فكریة ممتدة تھدف لخلق الوئام بدلا من الصراع بین الحضارات، وتجلب البشریة لكلمة سواء بدلا من التناحر، وترسخ مبدأ قبول الآخر أیا كان الاختلاف مع ذلك الآخر وأیا كان دینھ أو عرقھ أو جنسھ.
الھجوم الوحشي على المصلین الأبریاء تذكیر للإنسانیة جمیعھا أن حربنا على الإرھاب والتطرف لم ولن تنتھي، فھو صراع مستمر بین الخیر والشر، وعلینا جمیعنا أن نكون جنودا للخیر.
الغد