في روایة نجیب محفوظ الشھیرة ”اللص والكلاب“ یحاول سعید مھران اللص المفرج عنھ من السجن ان ینتقم من الخونة الذین استولوا على بیتھ وزوجتھ وابنتھ ورفضوا تقبلھ او ارجاع ممتلكاتھ. وتتوالى ازمات البطل برفض صدیقھ القدیم استقبالھ او الاستماع لشكواه. ومع انھ لا وجود للكلاب حقیقة في الروایة فقد جاء استخدام نجیب محفوظ للكلاب في العنوان لیعبر عن كل الذین خانوا وخذلوا البطل (سعید مھران) خلال غیابھ ورفضوا الاعتراف بحقھ عند الخروج من السجن.

ظاھریا یبدو استخدام نجیب محفوظ للكلاب في معرض التعبیر عن الخیانة متعارضا مع صورة الوفاء والاخلاص التي ارتبطت بالكلاب ومخالفا للصورة التي استخدمھا الشاعر علي بن الجھم في وصف الخلیفة العباسي ”انت كالكلب في حفاظك الود.. وكالتیس في قراع الخطوب“. ھذه الصورة التي اغضبت الحاشیة وتفھمھا الخلیفة باعتبارھا تعبیرا عن نظرة البدوي للكلاب وقیمتھا وخدماتھا وتقدیر اصحابھا لما تقدمھ الكلاب لھم.

في المدن حیث الاستقرار والتحضر لا تحظى الكلاب بنفس القدر من القیمة والتقدیر الذي حظیت بھ في البادیة فقد صممت المدن لكي لا تناسبھا وتجعل من وجودھا امرا في غایة الصعوبة وربما الازعاج. انخفاض مستوى اعتمادیة الاسر والافراد على الكلاب اسھم في تطور حالة الازدراء والاحتقار للكلاب في الحواضر العربیة التي لا ترى فیھا الا كائنا نجسا مزعجا لا فائدة ترجى من وجوده. الیوم اصبح استخدام عبارة ”یا كلب“ او ”ابن الكلب“ او ”ھؤلاء مجموعة كلاب“ اوصاف تحقیریة تحمل اشد مشاعر الغضب والكراھیة والازدراء للموصوف.

الصورة التي تحملھا الثقافة العربیة للكلاب مشوشة ومرتبكة. فمن صورة ترى الكلب رمزا للاخلاص یعتمد علیھ في حمایة الارواح والممتلكات لھ قدرة كبیرة على التمییز بین الاصدقاء والاعداء ویعمل كنظام للانذار المبكر ووكیل عن اصحابھ في الرقابھ والحمایة ویصعب العیش في الصحراء والبراري والاریاف دون رفقتھ الى كائنات منبوذة ملاحقة غیر مرغوب في وجودھا تجري ملاحقتھا واعدامھا میدانیا دون شفقة او رحمة.

في ظل ھذه الاوضاع والظروف فقدت الكثیر من فصائل الكلاب خاصیة الالفة والولاء والطاعة التي طالما كانت السمات الابرز لسلوكھا فقد اصبحت اكثر اغترابا وعدوانیة وتوحشا. في غالبیة المدن والبلدات الأردنیة تخصص البلدیات كوادر بشریة وموازنات وآلیات واسلحة لملاحقة واعدام الكلاب الضالة.

الوسائل المتبعة في ملاحقة الكلاب الضالة والتعامل معھا متعددة ومتباینة في قسوتھا ووحشیتھا فھي تتراوح بین السم والقتل بالاسلحة الناریة واحیانا التعذیب بوحشیة یصعب مضاھاتھا. في حالات كثیرة یتداول الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي فیدیوھات لكلاب یجري حرقھا او دھسھا بالعجلات او جرھا وھي مربوطة بمؤخرة مركبات وبصورة تعبر عن عداء ثقافي عمیق لھذه المخلوقات الودودة.

في بادرة ھي الاولى من نوعھا في الأردن استطاعت سلطة العقبة الاقتصادیة وجمعیات العقبة البیئیة ان توجد مأوى للكلاب الضالة في المدینة. في الموقع الجدید الذي جرى افتتاحھ في احدى المناطق المجاورة للمدینة، یوجد الیوم اكثر من 300 كلب یحظى بالرعایة الصحیة والتعقیم والاشراف وفي احد اكثر المشاھد الخالیة من العنف والوحشیة التي طالما ارتبطت بطرق واسالیب التعامل مع الكلاب في المدن والبلدات الأردنیة.

الانجاز المھم لسلطة العقبة الاقتصادیة ومؤسسات المدینة الحكومیة والاھلیة أنموذج یحتذى في التعامل الخلاق مع المشكلات التي تواجھ السكان والزوار لمناطقنا الحضریة. تحیة لمجتمع العقبة التطوعي وربیع الأردن وكل القائمین على ھذه المبادرة الانسانیة الحضاریة التي تتوافق مع ثقافة الرحمة والتعاطف والانسانیة التي طالما تغنینا بھا.

الغد