الاخوان : نيران ذوي القربى أشدُّ ضراوة
حسين الرواشدة
01-09-2009 06:15 AM
ثمة من يريد ان يجرّ قدم جماعة الاخوان المسلمين الى دائرة الصدام مع الحكومة ، او ان يحشرها في زاوية «الازمات» المتناسلة واحدة اثر واحدة ، او ان يجردها من فضيلة التوازن والحكمة التي اتسمت بها على مدى العقود الستة الماضية ، او ان يشغلها في معارك داخلية وخارجية تستنفذ طاقتها ، وتعيقها عن ممارسة دورها الوطني ، كأكبر جبهة للمعارضة.
في الدعاء المأثور يطلب الناس من الله ان يكفيهم شرّ اصدقائهم لانهم كفيلون بكفّ شرور اعدائهم وخصومهم ، او الحذر منهم على اضعف الايمان ، وربما يكون لسان حال اخواننا في الجماعة ان يكفيهم الله افعال وممارسات اخوانهم في الجماعة نفسها ، خاصة أولئك الذين لا يهدأ لهم بال الا اذا اشعلوا مزيدا من الحرائق وسط البيت الاخواني الهادئ ، باعتبار ان هذه الحرائق هي الوسيلة الوحيدة لتسليط الاضواء عليهم ، او اعادة الانظار إليهم ، او ابرازهم في اطار «البطولة» الذي يبدو انه اصبح اصغر كثيرا من اية صورة ، رغم ازدحام الصور والرسومات.
مشكلة الاخوان الحقيقية ليست فيمن يناصبهم الخصومة السياسية ، او حتى الفكرية ، وليست في المضايقات الموسمية التي تمارسها بعض الحكومات في اطار المناكفة السياسية ، وليست - كما قلنا اكثر من مرة - في هذا التقسيم المبالغ فيه بين الحمائم والقصور ، او بين المتشددين والمعتدلين ، وليست - ايضا - في غياب بوصلة الهوية او ازدواجية عضوية المكاتب ، انها ليست سياسية ولا تنظيمية ولا حتى ادارية ، وانما هي بكلمة واحدة: مشكلة داخلية ، وجودية ان شئت ، ووظيفية او عضوية ان اردت وباختصار مشكلة نفوس ورؤوس واصرار على السير باتجاه معكوس ، وهي - بالمناسبة - ليست جديدة ، ولا غائبة عن اذهان الاخوان انفسهم ، فبعد اكثر من ستين عاما انتقلت فيها الجماعة من الدعوة ، بما تمثله من طهارة واخلاص والتزام بأدب الحوار وبالزهد في المناصب ، الى السياسة بكل ما نعرفه من مواصفات ومؤهلات لمن يتداولها ، اصبح سؤال الوجود بالنسبة للدعاة الحقيقيين مطروحا بقوة ، ولانه ما زال معلقا بلا اجابة ، فقد تحول الى مصدر للقلق والانزعاج ، وفتح الباب امام ما نشهده اليوم من انسدادات وحراكات ومناكفات. لا بل ومن صراعات وصلت احيانا الى درجة كسر العظم ، والى ممارسة «التأزيم» المقصود الذي قد يفضي الى ما يشبه الانقلاب.
في وقت مضى ، كان الاختلاف بين «الاخوان» يدفع بعضهم الى الانسحاب بهدوء من الجماعة ، او الاكتفاء «بالطلاق» الصامت منها ، وأعرف العشرات بل والمئات ممن خرجوا ولم نسمع منهم اي انتقاد ناهيك عن اية اساءة او تجريح او تحريض لإخوانهم او عليهم ، تلك - بالطبع - كانت سمات «الرواد» من الدعاة الذين تربوا في مدرسة الاخوان الاولى ، والتزموا بمنهجها الذي خطه الشهيد البنا رحمه الله ، لكن الصورة الآن تغيرت وأصبح الذين يختلفون مع اخوانهم ، في ابسط الامور والتفاصيل لا يفكرون اطلاقا بالانسحاب او الاعتذار عن الالتزام بالتعليمات التنظيمية ، وانما يصرون على البقاء وعلى رمي ما بيدهم من عيدان الثقاب ، ولا يتورعون عن الانتقاد وتسريب المعلومات ومخالفة الانظمة والتعليمات حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الجماعة ، لكي لا تقول مصلحة الدعوة «اين هي الدعوة؟» او مصلحة الدين الذي يعملون في ظلاله. او مصلحة الوطن ايضا.
اعرف ان الاخوان اليوم تحت النيران ، نيران الابناء ونيران الخصوم ايضا ، وأعرف ايضا ان الوقت لا يسمح بتوجيه النقد او حتى النصيحة ، ولكنني اشعر بالمرارة - إي والله - من هذا الذي يحدث داخل البيت الاخواني ، وأتمنى على العقلاء فيه ان يخرجوا عن صمته وترددهم وخوفهم ، وأن يبادروا الى تنظيف هذه التربة مما خرج منها من اشواك واحساده ، وان يعيدوها الى «سكتها الله» الاولى: سكة الدعوة التي اختطفتها السياسية بلا مقابل ، واذا كان لسان حالهم يقول: اكفنا يا رب شرور ابنائنا فنحن كفيلون بأعدائنا فلا املك الا ان ادعو الله ان يستجيب. قولوا معي: آمين،،
hussein-rwashdeh@hotmail.com