جرائم المستعمرة الثلاث (1)
حمادة فراعنة
15-03-2019 01:04 AM
أصدرت الخارجية الأميركية تقريرها السنوي التقليدي عن حال حقوق الإنسان في العالم، وهو تقليد إيجابي مستمد وموروث من قيم المؤسسين للدولة الأميركية، ورسالة واشنطن عبر هذا التقرير أنها بلد ديمقراطي يحترم إنسانية الإنسان وحقوقه، ويُفترض أن تتعامل واشنطن مع بلدان العالم بمدى احترام أنظمتها لشعوبها، ويستمد التقرير مصداقيته من تناوله بالعرض لأحوال حقوق الإنسان لدى بلدان حليفة للولايات المتحدة أو صديقة مثل الأردن ومصر وبلدان الخليج العربي وغيرها، ولكن التقرير يفقد مصداقيته حينما لا يعرض معاناة الشعب الفلسطيني الذي تعاني مكوناته الثلاثة : 1 – فلسطينيو مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، 2 – فلسطينيو مناطق الاحتلال الثانية أبناء القدس والضفة والقطاع، 3 – فلسطينيو المنافي والشتات من اللاجئين والنازحين المشردين في مخيمات اللجوء والعودة، تعاني من البطش والانتهاكات وارتكاب كل الموبقات والجرائم من قبل المستعمرة الإسرائيلية الصديق الأول لواشنطن.
وعلى الرغم من عدم موضوعية التقرير في سرد الحقائق والوقائع في الميدان وعلى الأرض في عرض متاعب الفلسطينيين وأوجاعهم سواء من يقيمون داخل فلسطين ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية في مناطق 48 ويواجهون التمييز، أو ممن يحملون الجنسية الفلسطينية ويواجهون الحكم العسكري والاحتلال بكل إجراءاته القمعية غير الإنسانية في مناطق 67، وكذلك عدم ذكر لواقع اللاجئين في مخيمات التشرد والمنافي بسبب طرد المستعمرة لهم، فقد انعكست سياسة إدارة الرئيس ترامب في المزيد من الانحيازات نحو المواقف والسياسات والإجراءات لصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وانعكست هذه السياسة على عناوين التقرير الصادر عن الخارجية الأميركية يوم الأربعاء 13 / 3 2019، وعلى موضوعاته؛ ما زادت في تضليلها في عدم عرض الوقائع الحسية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني؛ ما جعل هذا العرض يتجاوب مع رؤية المستعمرة الإسرائيلية إلى الحد أنها تضمنت « معاناة « المستوطنين في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة وكأنهم مواطنون يملكون حق الإقامة في القدس والضفة الفلسطينية.
تقرير وزارة الخارجية الأميركية يعرض المسميات التضليلية إنطباقاً لدوافع ومواقف سياسة اتخذتها إدارة الرئيس ترامب حول اعترافها بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، والإقرار لشرعية المستوطنات، ولا ذكر إطلاقاً لأي إشارة إلى كلمة الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كما ألغى التقرير موضوع ومضمون «التمييز المؤسسي والمجتمعي ضد المواطنين العرب في إسرائيل «، من بين « أهم مشاكل حقوق الإنسان « لدى المستعمرة الإسرائيلية، والتي سبق وأن عرضها تقرير الخارجية الأميركية العام الماضي ليظهر التقرير هذا العام م دون أي مظهر من مظاهر « التمييز المجتمعي « داخل مناطق المستعمرة الإسرائيلية لفلسطينيي مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، مثلما يتجاهل التقرير سياسة ونظام التمييز الفاقع الذي تمارسه المستعمرة الإسرائيلية نحو فلسطينيي مدينة القدس التي ضمتها رسمياً حكومة المستعمرة لخارطتها السياسية والقانونية في شهر حزيران 1980، ومع ذلك يقع التمييز على هؤلاء وتسقط أي معاملة مساوية لليهود من سكان القدس، حيث تعمل السياسة الاستعمارية الإسرائيلية بشكل منهجي وإجرائي على تهويد المدينة وأسرلتها عبر إسكان أجانب من اليهود القادمين من أوروبا وأميركا لجعل أغلبيتها إسرائيلية يهودية، وبما يتوافق مع هذه السياسة العنصرية التي تمارسها المستعمرة الإسرائيلية، يتحدث تقرير الخارجية الأميركية عن « سكان القدس الإسرائيليين « وبذلك يفصل القدس الشرقية عن الضفة الفلسطينية ويسقط هويتها العربية الفلسطينية الإسلامية والمسيحية ويُسلم على أنها جزء من خارطة المستعمرة الإسرائيلية على خلفية اعتراف إدارة ترامب أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية.
ويتضح من سرد التقرير الأميركي أنهم صاغوا تقريرهم بناء على ما تلقوه من ردود من خارجية المستعمرة الإسرائيلية على استفسارات الخارجية الأميركية، وبذلك عرض التقرير وجهة نظر المستعمرة الإسرائيلية نحو قضايا حقوق الإنسان الفلسطيني؛ ما يفقده المصداقية بالكامل.
الدستور