مسلمات الحياة وتسلسل الحاجات الإنسانية
فتح رضوان
15-03-2019 12:16 AM
فواجع الفهم المنحرف - السياسيون والمفسدون العرب نموذجا
مع التسليم بأن أفهام الناس تختلف ومداركهم تتفاوت ومعتقداتهم شتى فإن في الحياة مسلمات وحقائق وتسلسل حاجات لا مجال لإنكارها، كحقيقة أن الإنسان ميت بمعنى أنه مهما عاش فمصيره الموت.
إذا بالتوازي مع العقائد التي نعيش على هداها كأتباع ديانات سماوية دعونا نسلك طريق الحقائق المتفق عليها كتجارب تاريخية لا تزال تعيد نفسها منذ دوّن الإنسان تاريخه أو كفطرة بشرية لا يختلف عليها أحد أو نظريات مثبتة بتجارب ومنهج علمي وسنتضطر للمقارنة بفقه النفس البشرية ودوافعها في الشريعة الإسلامية وهي الشريعة السماوية الأكثر خوضا في خبايا النفس البشرية حيث سنجد أن هذه الشريعة متفقة مع النظريات العلمية التجريبية في هذا الإطار.
لو كان الأنسان البالغ العاقل يدرك أساسيات الحياة التي يقر بها هو ذاته هل كنّا سنعيش هذه الفواجع التي نحياها على وجه الأرض.
حتى نقرب الصورة أكثر ما دام الإنسان يدرك مثلا أنه محدود القدرة وهذا مفهوم لا ينكره بالغ عاقل على وجه الأرض هل سيقيم الدنيا ولا يقعدها حتى يجمع مالا لا يستطيع عده، فَلَو كانت القدرة البشرية تتناسب طرديا مع امتلاك الثروات وكان من يمتلك مائة مليار دولار مثلا قادر أن يتواجد في مائة مكان في نفس الوقت وقادر أن يركب مائة طائرة وأن يتزوج مائة امرأة وأن يأكل في اليوم طنا من الطعام مما لذ وطاب ، لو كان ذلك كذلك لفهمنا أن الإنسان يسعى لمزيد من الثروة من أجل مزيد من القدرة ولكن المضحك أنه لربما من يمتلك المائة مليار دولار غير قادر على أكل اللحم مثلا وهو أبسط مؤشر شعبي على غنى الإنسان فها نحن أمام واقع ماثل للعيان على استواء فاحش الثراء مع شديد الفقر بل على العكس فالفقير قادر على التكيف مع هذا الواقع بينما قد يعيش فاحش الثراء حسرة تناقض الثروة مع القدرة فيضطر الى أن ينظر للفقير نظرة حسد.
الان دعونا نسير مع علم النفس التجريبي في فهم الذات البشرية حيث سنركز على ( تسلسل الاحتياج البشري ) : الطعام والحاجات الفسيولوجية ثم الأمن ثم الاحتياجات الاجتماعية من أسرة وأصدقاء ثم الحاجة للتقدير أي الوجاهة ثم الحاجة لتحقيق الذات.
أنا سأختبر النموذج ليس على ذات الفرد فقط بل اجتماعيا وسياسيا لأن ما يجري في العالم هو قرارات أفراد حققوا ذواتهم في ظل سطوة التكنولوجيا الفائقة وثورة المعلومات.
أن تحقيق الذات سياسيا واجتماعيا هو السيادة، اذا أعلى مرتبة يسعى لها الإنسان هي السيادة والسيادة قد تكون الطريق الأكثر اختصارا لتحقيق الغايات الأدنى في هرم الاحتياج الإنساني وإشباعه بطريقة قد يكون مبالغا فيها.
ما أوردناه أعلاه في الاحتياج البشري يسمى تسلسل ماسلو ( اسم العالم الذي وضعه ) الهرمي للاحتياجات حيث شرح نظريته بالكامل في كتاب الدافع والشخصية في العام ١٩٥٤ واختياري له ليس من دون سبب فهو متفق الى حد بعيد مع الفطرة وممارسات الإنسان الطبيعي والوقائع التاريخية والمعاصرة للمجتمعات الإنسانية وينسجم مع العقائد السماوية ولا يزال هذا التسلسل قابلا للتطوير حيث أن محاور نقد هذه النظرية هي نفس محاور هذا المقاول.
الإنسان غير الطبيعي ( سلبا أو إيجابا) قد يسعى للقفز من أدنى الهرم إلى أعلاه أو قد يمتلك القدرة البدنية والذهنية للوصول من قاعدة الهرم إلى أعلاه ومن هنا كانت الديانات السماوية بطبيعتها النقية قادرة على إدارة التسلسل واختيار الشخصية الأفضل للسيادة مثلا حتى لو كان فقيرا كما ورد في قصة طالوت في القرآن الكريم ( قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال) ، انظروا كيف أتفقت الطبيعة البشرية مع التسلسل مع أن هذا التسلسل لم يتوصل اليه البحث العلمي إلا بعد آلاف السنين، اذا هناك فرق بين الطبيعة والمثالية التي تأتي بالتعليم والتوجيه والإقناع وهو ما تمثله الديانات السماوية والمناهج الفكرية.
يختصر التسلسل صراع الجنس البشري منذ بدء الخليقة الى الان وكل ما نرى من أشكال الصراع والتنافس والاقتتال والقتل والجرائم هي في انحراف التسلسل مهما اختبأت الأسباب في ثنايا التفاصيل ولا سيما قمة الهرم والذي يتجلى في الوصول الى السيادة.
أنا أدعو العرب دولا وشعوبا الى استخدام التسلسل في إدارة شؤون الفرد والدولة، فكما ينطبق التسلسل على الفرد فهو ينطبق على المجتمع فالمجتمع الجائع لن يكون آمنا ولن يصل الى قمة الهرم وأفضل وضع إنساني مادي ممكن هو أن يسير التسلسل دون إفساد وهذا وضع مثالي لا تحققه المجتمعات البشرية إلا نادرا، أي ان المجتمع قد يعطي السيادة لمن يستحقها بشكل تلقائي وطبيعي ودون أن يطلب صاحب السيادة هذه السيادة كما في سيرة عبد المطلب بن هاشم القرشي جد نبينا الأعظم فقد كان سيدا جليلا في قومه دون نزاع لأنه تدرج في مجتمعه حتى أطعم الطعام للحجيج وتحلى بمكارم الأخلاق وأحب الفقراء فكان سيدا بلا منازع وينزل قومه على رأيه طواعية دون سيف، اذا لو تم ترك أي مجتمع إنساني على طبيعته فسيعطي السيادة تلقائيا لمن يستحقها ولكن الانحدار الأخلاقي والتدافع والصراع على اختلاف صوره وهو غالب الحال في المجتمعات الإنسانية يؤدي الى الانحراف.
اذا السيادة ووسائل الوصول لها فردا أو جماعات أو دول هي كل ما نحياه من معضلات وقضايا وضعوا لها ما لا يُعد ولا يُحصى من العناوين.
إن تسلسل ماسلو قد تم نشره بعد الحرب العالمية وفي مرحلة نضوج الثورة الصناعية في أوروبا ولكننا دخلنا الان عصرا آخر وهو عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا الفائقة والعوالم الافتراضية وحتى العوالم السفلية والتحالفات السرية الشريرة التي تحاول تجاوز كل ما هو طبيعي وسهل ورائق للجنس البشري بفطرته النقية.
إن هرم ماسلو للاحتياجات البشرية قادر على العمل حتى لو لم يضع وصفا كميا للحاجة كما يقول نقاد النظرية لأنه مسنود بمحدودية القدرة البشرية كما أسلفنا فحاجة الإنسان للطعام مثلا محكوم بقدرة معدته على الاستيعاب، اذا الحاجة تحددها القدرة البشرية وينطبق ذلك من قاعدة الهرم في الحاجات الفسيولوجية الى الاحتياجات الاجتماعية وصولا الى تحقيق الذات بالوصول الى الغاية سواء كانت سامية أم شريرة.
إذا دعونا نجرب الإسقاط السياسي للتسلسل فعلى سبيل المثال تريد اسرائيل تحقيق ذاتها بالسيطرة على العالم ولكنها لن تستطيع لأن ذلك خارج نطاق قدرتها فهل تستطيع أفعى أن تبتلع فيلا وقيسوا على ذلك كل وضع يريد السياسيون والمفسدون في العالم فرضه على الناس.
اذا وحتى لا نستمر في التحليق بعيدا سنهبط على النموذج الذي اخترناه لتطبيق نظرية ماسلو للاحتياح البشري ألا وهو الساسة والمفسدون في العالم العربي.
تسلسل الاحتياج البشري يستطيع تفسير ممارسات السلطة السياسة العربية المتحالفة ظاهرا وباطنا مع الإفساد بكل أشكاله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
السياسي العربي ومعه المفسدون لا يُدركون طريقة تحقيق الذات والتي هي قمة الاحتياج البشري ولذلك فحتى القوى الاستعمارية غير قادرة على فهم هذا السلوك فعلى سبيل المثال كان المفاوض الاسرائيلي يخرج مذهولا من التنازلات التي يقدمها المفاوض الفلسطيني في أوسلو.
أيها السياسي العربي هل تريد تحقيق ذاتك في إسرائيل، هذا مخيف حتى للسياسي الإسرائيلي، لأن الشجرة اذا انخلعت من جذورها ستموت وستكون وبالا على الجميع، إذا السياسي العربي إما تائه وعليه أن يبدأ مرحلة البحث عن الذات قبل أن يحقق ذوات أخرى أو أنه ينتمي للطرف الأخر وعليه ان يبدأ صعود السُلم من مكان أخر لأنه إن حقق ذوات الآخرين وهو في مكانه يكون منخلع الجذور وسوف تلفظه وتقضي عليه بيئته الطبيعية.
اذا قاعدة الهرم تُبنى في الوطن حتى تكون راسخة ويتم البناء عليها.
تكون السيادة في الوطن وهي قمة هرم الاحتياج البشري، ولا تكون هذه السيادة لمن لا يحقق لمجتمعه الحاجات الفسيولوجية والأمن والحاجات الاجتماعية والتقدير لأهل الوجاهة والثقة فإن حقق قائد عربي كل ذلك كانت سيادته طبيعية ولن يحتاج لطائرات ودبابات حتى يحافظ عليها.
في الخلاصة فكأن ماسلو صاحب نظرية تسلسل الاحتياج البشري قد قرأ القرأن فأنى له وضع الحاجات الفسيولوجية كالطعام في قاعدة الهرم مقدما إياها على الأمن فهل قرأ سورة إيلاف ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، هل فرأ السيرة حين بحث ووجد أن في كل مائة شخص، هناك شخص واحد قادر على تحقيق ذاته ففي سيرتنا ( الناس كالإبل، في المائة تجد راحلة)، كيف يفعل ذلك ماسلو وقادة أهل القرأن يفتخرون بالامن وأغلب من في بلدانهم إن لم يكونوا جوعى فهم يفتقدون معظم حاجاتهم الفسيولوجية.
وهل عرف أثرياء العرب ذواتهم حتى يحققوها وهم يضعون أرصدتهم وأموالهم في أماكن لا تحقق إلا ذوات غيرهم.
نحن العرب قادة ومحكومين وأثرياء وفقراء بحاجة الى رحلة البحث عن الذات لأن كثيرا منا فقدها وبالأخص السياسيون والأثرياء المفسدون.