هل من جديد في جعبة الحكومة لمعالجة الفقر؟
المهندس عادل بصبوص
14-03-2019 07:15 PM
وأخيرا وبعد طول إنتظار أعلن رئيس الوزراء بأن الحكومة سوف تعلن نتائج دراسات الفقر الجديدة في غضون أسبوع واحد أو إسبوعين على الاكثر مع الخطط والإستراتيجيات التي سوف تتبعها لمعالجة هذه الظاهرة، ويعتقد كثيرون بأن النتائج الفنية لهذه الدراسات قد تم إستكمالها منذ فترة ليست بالقصيرة، وان النتائج قد أظهرت ارتفاعات جوهرية في معدلات الفقر بسبب الزيادات المستمرة في أسعار السلع والخدمات مع ثبات الدخول وتفاقم مشكلة البطالة، مما دفع الحكومة لتأجيل الإعلان عن النسب الجديدة للفقر ريثما يتم تمرير قانون ضريبة الدخل الجديد، ولإعطاء الجهات المعنية مزيداً من الوقت لوضع "خطط واستراتيجيات" جديدة للتعامل مع المشكلة يتم الإعلان عنها بشكل متزامن مع إعلان النتائج.
لا يوجد ما يدعو للتفاؤل بالنسبة للحلول والمعالجات التي سوف تقترحها الحكومة للتخفيف من حدة المشكلة المتمثلة بانزلاق اعداد إضافية من الأسر إلى مستنقع الفقر، في ضوء الاوضاع المالية السيئة للحكومة، مما يعني صعوبة توفير موارد مالية تتناسب مع احتياجات الأسر الجديدة التي قادها حظها العاثر للوقوع في براثن الفاقة التي لا ترحم، ويزيد الامر سوءا التاريخ الطويل من الإخفاقات الحكومية في هذا المجال، فقد تم إطلاق العديد من استراتيجيات مكافحة الفقر او التخفيف من حدته على مدى العقدين الماضيين، إلا ان النتائج التي تمخضت عن ذلك كانت متواضعة جدا لسبب بسيط جداً، وهو أن أياً من هذه الاستراتيجيات لم تنفذ عملياً على أرض الواقع، لعدم واقعية وملائمة السياسات والإجراءات الواردة فيها ولعدم رصد الموارد المالية الكافية للتنفيذ، وللدلالة على عدم جدية وجدوى مثل هذه الجهود يكفي ان نذكر أن آخر استراتيجية قد تم اعدادها في عام 2012 لتغطي الفترة "3013-2020" سرعان ما تم وضعها على الرف، ليتم بعد ذلك في آذار 2017 وفي عهد الحكومة السابقة تشكيل لجنة توجيهية لإعداد استراتيجية جديدة لمكافحة الفقر للسنوات "2019-2025" حيث باشرت اللجنة بعقد اجتماعاتها التحضيرية ليتم أيضا وقف العمل لاحقاً مع تغير الحكومة وتبدل الوزراء....
إذن لا احد يمكنه الإدعاء بان التعامل مع مشكلة الفقر في المملكة يتم وفقاً لرؤية واضحة تعكسها خطط واستراتيجيات تسعى إلى الوصول إلى اهداف محددة ضمن اطر زمنية متفق عليها، إنما هي برامج متفرقة شاخت وهرمت تقوم بتنفيذها وزارات ومؤسسات حكومية مختلفة مع غياب التنسيق والتكامل لا بل وبروز التنافس بينها في كثير من الأحيان، دون جهد حقيقي للمتابعة والتقييم وصولا إلى التطوير والتحسين لتحقيق الاهداف والغايات المتوخاة.
لا يتوقع ان تخرج الحكومة الحالية بمبادرات وحلول من خارج الصندوق لمشكلة الفقر التي لم تعد فقط هماً ومشكلة خاصة بالأسر الفقيرة وحدها، بل أضحت معضلة وطنية تهدد الامن والإستقرار المجتمعي برمته، ستكتفي الحكومة بالتأكيد على الإستمرار في تنفيذ البرامج الحالية وعلى رأسها تقديم الدعم المالي المباشر للفقراء من خلال صندوق المعونة الوطنية، الذي لن تكفي مخصصاته الحالية لتغطية الاعداد الكبيرة من الأسر التي ستدخل ضمن دائرة الفقر وفقاً لنتائج الدراسات الجديدة، كما ستقوم الحكومة بتخصيص بعض الموارد المالية الإضافية المحدودة لهذه البرامج والتي لن تكون كافية لإحداث فرق واضح على أرض الواقع بسبب قلة كفاءة وفاعلية هذه البرامج.
إن معالجة الفقر بأبعاده المتشعبة لا يتأتى فقط من خلال برامج موجهة لتشغيل او مساعدة الفقراء، فهذا حل تسكيني قد يخفف من حدة المشكلة بعض الشيء ويقلل من أعراضها، المطلوب تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية تخلق معدلات نمو إقتصادية حقيقية تفوق معدلات النمو السكاني، وفي ضوء صعوبة تحقيق مثل هذا الهدف حالياً فعلى الحكومة العمل على مراجعة البرامج والانشطة الحالية بغية تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المالية المخصصة لهذه البرامج، مثل برنامج الأسر المنتجة في وزارة التنمية الإجتماعية، وبرنامج تعزيز الإنتاجية الإقتصادية والإجتماعية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي الذي أتم بحمد الله عامه السابع عشر والذي يحظى بموازنة كبيرة نسبياً تتجاوز العشرين مليون دينار سنوياً، والذي سبق وأن عملت مديرا له مدة اربع سنوات قبل ان أقوم في عام 2011 بالإعتذار عن الإستمرار في ذلك المنصب، بسبب عدم قناعتي بالأنشطة والمشاريع التي كان سيتم تنفيذها ضمن هذا البرنامج في مناطق جيوب الفقر التي تم الإعلان عنها في ذلك الحين.
الحكومة في وضع لا تحسد عليه إطلاقاً بالنسبة لغالبية القضايا المطروحة على الساحة المحلية وخاصة موضوع الفقر ومعالجته، نأمل ان تأتي الإجراءات المنتظرة للحكومة بهذا الخصوص خلافاً لتوقعاتنا غير المتفائلة وان تنجح في هذ المجال، لا نملك إلا الإلحاح في الدعاء من طرفنا .... وعلى الحكومة المساعدة بكثير من القطران.