يبدو أن درس غضبة التونسيين التي كانت شرارة الربيع العربي المختطف لم تقنع الكثيرين وراحوا لنومهم الطويل في أحضان الفساد والإفساد والنهب والغطرسة والدكتاتورية والتجويع وذر الرماد في العيون . شهدنا منذ أسابيع عودة الغضب في الساحة السودانية مطالبين بإصلاح حقيقي ينهي عهد الانقلاب الذي أوصل البشير الى السلطة ، والتزموا السلمية في التعبير ، لكن السلطة التي ظنت أن الناس في نوم عميق وإذ بها أمام إصرار على التغيير ، فبدأت سياسة الوعد والوعيد وبدأ الإرغاء والإزباد وأدخل البشيرُ بلدَه حالة الطوارئ !! كل ذلك حتى لا يستجيب حيث لم تنفع الاعتقالات ولا السجون ولا الاتهام بتدخل قوى أجنبية تحرك الناس ضد حكومته التي تخاف الله وتتبنى الدين!! في محاولة لاستغلال الدين في بلد يمتلئ بالجماعات الصوفية ومع هذا لم يفلح ، وطرح التغيير عبر الصناديق وهي نكتة غير مقبولة من شخص جاء بانقلاب .
وفي الجزائر التي عاشت ويلات العسكر المنقلبين على الصناديق في بداية التسعينات وحولوا المشهد من صناديق الى بنادق ورشاشات وخسرت الجزائر من أبنائها الكثيرين !! كل ذلك لمنع الفائزين من ممارسة دورهم الذي قد ينجح وقد يفشل ، لكنهم راحوا باتجاه الانتكاسة نحو عهود الانقلابات والاغتيالات بدل أن نتقدم نحو تداول السلطة !! وكانت القصة الأخيرة بترشيح رجل مريض مقعد لا يقوى على أعباء السلطة مما ألهب شعور شعب النضال والثورات فأسقط الشعب العهدة الخامسة فراحت السلطة تناور بسحب الترشيح وتأجيل الانتخابات مما يعني التمديد لبوتفليقة وهو أمر لا يقبله الغضب الشعبي مما يعني استمرار اللعب بين الحاكم والمحكوم بدل النظر للبلاد على المدى البعيد والمقارنة مع الشعوب التي تتقدم كل يوم .
وفي بلدي الأردن تأتي حكومة على أنغام هدير المحتجين الذين أسقطوا الحكومة السابقة وتأمل الناس لكنهم اليوم كشفوا الحقيقة وتبين لهم أن المسألة تغيير أشخاص لا تغيير نهج مما يعني استمرار إضاعة الوقت . الناس يريدون نهجا" مختلفا" يقوم على الأسس التالية:
1. قانون انتخابات عصري يجلب مجلسا" نيابيا" سياسيا" حقيقيا" عبر نزاهة حقيقية .
2. حكومة تمثل انعكاسا" للمجلس النيابي من شخصيات تحمل سجلا" نظيفا" في السلوك الشخصي والاقتصادي بعيدا" عن الشللية .
3. برنامج وطني في الاقتصاد الذاتي الذي لا يتلقى من صندوق النقد بل ينحت من صخر البلاد بوقف الفساد واجتثاث جذوره ورموزه أيا" كانوا وأيا" كان خلفهم ، واستغلال كل الطاقات والاستفادة من كل المتاح للقضاء على البطالة.
4. التوقف عن سياسة الاستزلام والاسترضاء لنذهب كلنا لاسترضاء الوطن الذي لا يكون وطنا" الا بأهله الكرام الذين يأبون الخنوع كما يأبون الجوع والنذالة .
5. وضع برنامج تنفيذي لمساعدة السوريين للعودة الى بلدهم كي يبنوه ويعمروه بعيدا" عن فكرة التوطين التي صارت لازمة هذا البلد حتى غدا ابن البلد غريبا" في بلده .
ان استمرار سياسة لعب الدول على شعوبها سياسة لن تصمد فالعاقبة للشعوب مهما طال الزمن فليكتب كلٌ تاريخَه وليرسم كلُ شعبٍ مستقبلَه .