أعماله تثير الاستغراب .. فنان عراقي يراسل العالم بالفن
13-03-2019 09:36 PM
عمون - وضْع شيء في غير محله لا بد أن يجذب الانتباه، ولا بد له أيضاً أن يثير السخط أو النفور أو الرفض؛ فالمعتاد أن يرى الناس الأشياء في محلها، لكن فناناً عراقياً شاباً عَكَس هذا المعتاد، وجعل الإعجاب كبيراً بمتضادات وتناقضات أصبح يراها الناس في الشارع.
عامل نظافة بملابسه المعروفة يمارس عمله في تنظيف الشارع، تلتقطه الكاميرات من زوايا عدة وهو يعمل، ثم فجأة يتحول إلى راقص ماهر ليجتمع حوله المارة ويصورونه بإعجاب.
شرطي يؤدي واجبه في الشارع، تلتقطه أيضاً كاميرات من عدة زوايا، وفجأة بدلاً من أن يحمل سلاحه، يحمل آلة الكمان، ويبدأ بعزف جميل، فيجذب انتباه الناس الذين يتحلقون حوله بإعجاب ويصورونه بكاميرات هواتفهم.
دورية عسكرية للجيش تقف وسط إحدى الأسواق الشعبية المزدحمة في بغداد، يتفاجأ المارة بموسيقى غربية يرقص على وقعها جندي شاب يتبع هذه الدورية.
ينشغل الناس كالعادة بتصويره، مبدين إعجابهم به.
تلك نماذج من أعمال يخرجها الفنان الشاب حسين الدرويش، الذي أخذ يلفت انتباه العراقيين بأعماله التي لم يشهدوا مثلها سابقاً؛ فهي غريبة، مفاجئة، متناقضة، تداهمهم على حين غفلة دون سابق إنذار.
أعمال الدرويش العديدة تشير إلى أن هناك مستودعاً للأفكار الغريبة تختزنها مخيلته، وهو يفسرها بأنها تبدأ من "الاطلاع على ثقافة الآخر والتفتيش المستمر عن المتغيرات الحاصلة فيها؛ بغية إيجاد طرق متعددة للتأثير في المتلقي، بالإضافة إلى مواكبة التطور التكنولوجي الحاصل في كافة المجالات".
الدرويش الذي يرى أن "أساس الصراع في العالم هو صراع أفكار أكثر مما هو صراع نفوذ أو صراع سلطة وتسلط"، يقول: إن "أفكاري استقيها من الواقع بعد دراسته بشكل موسوعي".
وحسين الدرويش مولود في محافظة بابل (100 كم جنوب بغداد) عام 1990، يحمل بكالوريوس فنون جميلة قسم المسرح فرع التمثيل.
ولا ينفي الفنان تأثر أعماله بالمجتمع الذي نشأ فيه، ويصفه بأنه "مجتمع محافظ يرى الفن من زاوية واحدة"، مشيراً إلى أن مواكبته لمواقع التواصل الاجتماعي وتأثره بها، حيث كان يشاهد عروضاً فنية من مختلف دول العالم، فتح أمامه الباب واسعاً ليقدم إبداعاته.
عروض فنية عديدة يقدمها حسين الدرويش برفقة فنانين شباب آخرين، منها عروض صامتة، وكاميرا خفية، وهي عروض تحتاج إلى دعم، لكن الدرويش يقول إن لا أحد يدعمه، موضحاً: "كادر عملي ينقسم بين من يعمل بشكل متطوع وبين من يعمل بمقابل مادي، لذلك فهنالك تفاوت بالقيمة المادية لصناعة أعمالي، فالكادر متغير وغير ثابت".
انطلق حسين الدرويش من محافظته بابل، وأغلب أعماله قدمها في بابل وبغداد، وهناك عروض أخرى قدمها بناءً على دعوات خاصة.
ويعتبر الدرويش أن مواقع التواصل الاجتماعي صاحبة فضل كبير؛ إذ يقول: "في بداية مسيرتي الفنية كنت أسعى جاهداً إلى تقديم أعمالي في جميع محافظات العراق، ونجحت في ذلك، ولكن بعد شيوع استخدام مواقع التواصل انتفت الحاجة إلى التجوال، وأصبح الوصول إلى المتلقي أسهل وأسرع، بالإضافة إلى نسبة الوصول لأعداد أكبر من الناس".
أعمال الدرويش- بحسب رأيه- "حققت نجاحاً جيداً نوعاً ما، وكما كنت متوقعاً لها، لكني أطمح لأكثر من هذا لكون الأفكار القادمة أكثر جرأة وتحدياً".
يراسل العالم بالفن
يقول الدرويش إن "هناك أكثر من محور لغايات هذه الأعمال، أهمها دمج الشخصيات المهمشة في المجتمع من خلال تركيز الضوء عليها، واعطائها قيمة اعتبارية؛ فالفن يمثل الرقي والتحضر".
أيضاً من الغايات بحسب تعبيره هي إرسال رسائل إلى العالم، لتوضح الصورة الحقيقية عن العراق، مبيناً أنه يسعى إلى "تحسين صورة البلد خارجياً من خلال هذه الأعمال؛ فهي تمثل رسالة واضحة أن البلد يتمتع بالأمن، فضلاً عن وجود مساحة من الحرية في طرح الرأي والأفكار كنا نفتقدها قبل 2003، وأيضاً تبيان مدى ثقافة وتطور المجتمع العراقي".
الدرويش وغيره كثير من الفنانين والنشطاء يؤكدون أن هامش الحرية في طرح الأفكار اتسع كثيراً اليوم؛ ودليلهم الخروج بتظاهرات تدين في عباراتها الحكومة وكبرى الشخصيات الحاكمة من دون ان يتعرض المشاركون فيها إلى المنع القسري؛ إذ تشترط الجهات الرسمية أن يعتمد المتظاهرون السلمية في خروجهم لكي لا يتم التعرض لهم، فضلاً عن مساحة التعبير المتاحة في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وهذا كان مفقوداً قبل غزو البلاد في 2003، والإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين.
عن اختياراته للشخصيات التي يتناولها في أعماله التي يقدمها وسط الناس، يقول الدرويش: إن "هذه الشخصيات موجودة أمام الجميع وبشكل يومي، ولكن لاتحظى باهتمام؛ بسبب النظرة الطبقية"، في إشارة إلى العامل البسيط والجندي والشخصيات الأخرى التي يتناولها في أعماله.
وأضاف: "حين تبرز هذه الشخصيات بشكل مميز وفاعل فهذا يثير فضول البعض، ويثير استغرابهم. وهو استغراب غير مبرر؛ لأن الإبداع لايعرف طبقة مجتمعية معينة بل هو يولد مع الإنسان".
ما يسعى إلى عمله الدرويش هو "تطوير الإنتاج وزيادة القيمة الفنية في الأعمال القادمة"، لكن مثل هذه الأعمال بحاجة إلى أن تتبناها محطات تلفزيونية لكي توفر ما يحتاجه العمل من تقنيات وإنفاق، لكن الفنان العراقي الشاب يقول إنه "لغاية الآن لم تطرح أي جهة إعلامية مثل هذا الأمر".
والسبب بحسب قوله: "نقص الخبرة وقلة الوعي لدى مديري المحطات التلفزيونية وصانعي القرار الإعلامي"، لكنه وعلى الرغم من هذا يؤكد أنه "بوجود مواقع التواصل الاجتماعي انتفت الحاجة للتلفزيون كوسيلة نشر كانت في السابق الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الناس".
رصد