المديونية الأردنية .. ما بين الإقتصاد والسياسة
المهندس محمد النجداوي
13-03-2019 07:35 PM
لعل الذين زحفوا إلى الدوار الرابع من الأردنيين الشرفاء واسقطوا حكومة هاني الملقي بكل إخلاص وعفوية وانتماء فوجئوا وصعقوا بأداء الحكومة الجديدة برئاسة عمر الرزاز، حيث رغم الظرف الدقيق والفترة الزمنية الحرجة التي يمر بها البلد من الناحيتين الاقتصادية والسياسية إلا أنها واصلت نفس السياسات للحكومات السابقة وتعثرت في كثير من قراراتها التي لم ترقى لتطلعات الشعب والشواهد والأدلة على ذلك كثيرة :
_ ضمت الحكومة الجديدة خمسة عشر وزيراً من الحكومة السابقة التي اسقطها الشعب.
_ الحكومة الجديدة غير رشيقة من حيث العدد.
_تم توزير بعض المعارف والمقربين واعمارهم 75 عاماً ونيف.
_ مارست الحكومة فساداً إدارياً من خلال التعينات في مواقع قيادية لأشخاص تربطهم بالنواب صلة
قرابة.
_ أقرت الحكومة قانون الضريبة مع بعض التعديلات غير الجوهرية على القانون الذي أسقط الحكومة السابقة.
_ تابعت الحكومة سياسة الاقتراض الخارجي والارتهان إلى المؤسسات المالية الدولية ممثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
_ قامت الحكومة بتوقيت خاطئ وغير مدروس بترشيح وزيرة السياحة السابقة والتي استقالت أدبيا"من منصبها فيما عرف بفاجعة البحر الميت كسفيرة للأردن في اليابان مستفزة بذلك مشاعر بعض الأردنيين.
_ تفاجئ أحياناً بالصمت المطبق الذي تمارسه الحكومة حيال بعض القضايا مثل الإعتصامات للتوظيف والبطالة وكأن الأمر لا يعنيها، فيما ينبري بعض أعضائها أو الناطقين باسمها ويسوقون لك الحجج لتبرير سياسات وممارسات اقتصادية وسياسية مكرورة لم تعد تنطلي على أحد وعفى عليها الزمن.
واضح مما سبق أن الحكومة الحالية لا تملك مفتاحاً سحريا"للحل وهي مسؤولة مثلها مثل سائر الحكومات السابقة كافة عما آلت إليه البلد والوضع الإقتصادي الضاغط وإليكم الدليل :
- منذ عام 1946 وهو عام الإستقلال، امتاز الاقتصاد الأردني بالعجز المزمن في الموازنة العامة للدولة وكان يتم تغطية العجز من خلال الهبات والمساعدات والمنح أو من خلال القروض الخارجية وساعد أيضاً في ذلك تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج.
- في عام 1989 بدأ مسلسل شراء الوقت بعد انهيار الدينار الاردني وعجز الدولة عن دفع مصاريفها وارتفاع الدين العام إلى مستويات قياسية وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط وتوقف المساعدات العربية عن الأردن وتقلص تحويلات المغتربين في الخارج.
- في عام 1991 انعقد مؤتمر مدريد للسلام وتم مكافئة الأردن واعفاءه من بعض الديون لقاء سيره في عملية السلام والتطبيع مع إسرائيل.
- منذ عام 2000 غطت الحكومة العجز في موازناتها من خلال عملية التخصيص وبيع المؤسسات العامة والثروات الوطنية مثل (النفط والفوسفات والمطار والمرفا والكهرباء والاتصالات ومشاريع زراعية وصناعية )وتسليمها إلى القطاع الخاص والأجانب.
- في عام 2003 تم غزو العراق واحتلاله وبذلك خسر الأردن السوق العراقي وخسر المنحة النفطية وكذلك خسر الحصول على النفط بأسعار تفضيلية ومقابل ذلك حصلت الحكومة على مساعدات لا بأس بها.
- في عام 2007 تحولت الحكومة الاردنية الى الاقتراض الداخلي بدل الاقتراض الخارجي وهذه العملية هي عبارة عن صفقة بين الحكومة من ناحية وبين المصارف وأصحاب الأموال من ناحية أخرى، حيث انخفض معدل الفوائد في أمريكا وأوروبا إلى ما يقارب الصفر وذلك بسبب الأزمة المالية العالمية وسياسات التسهيل الكمي في الغرب، حيث المصارف والمتمولون يقترضون من أمريكا بالدولار بفائدة لا تزيد عن 2 % مثلاً ثم تقرضها إلى الحكومة الأردنية بفائدة 7 % وبذلك تحقق أرباحا كبيرة من دون عمل أو مخاطر وتوظف الأموال بشكل مضمون، وهكذا حصل التزاوج ما بين أصحاب المال وأصحاب السلطة.
- في عام 2013 بدأت الحكومة الأردنية بتحويل الدين العام الداخلي مجدداً إلى قروض وسندات تباع في الخارج وذلك لأن كلفة الدين الداخلي أصبحت مرتفعة للغاية، فتقترض من الأسواق العالمية حتى تدفع أقساط المتمولين والمصارف الوطنية والفوائد، في هذه الأثناء أصبح الدين العام يقارب حجم الناتج الوطني بأكمله.
- في عام 2016 اعتمدت الحكومة الأردنية سياسة جديدة للتعامل مع الدين وذلك من خلال البدء بتطبيق إجراءات التقشّف ورفع الدعم عن المواد الأساسية وآخرها الخبز وفرض المزيد من الضرائب والرسوم.
وهكذا اوصلتنا سياسات الحكومات المتعاقبة إلى ما نحن عليه بمديونية بلغت 39 مليار دولار أي ما يعادل 96.5% من الناتج الوطني الإجمالي، وهذا رقم ثقيل لا يتهيأ للأردن فرصة لسداده في ظل ضعف إمكاناته وموارده، وإيقاف المساعدات والهبات العربية، والفساد الذي يضرب في كل مكان، والبطالة، وانحسار تحويلات المغتربين الأردنيين في الخارج، وهروب المستثمرين ورؤوس الأموال، وازدياد وتراكم خدمة الدين.
إن إتباع نفس السياسات الاقتصادية للحكومات السابقة واللجوء إلى القروض والاستدانة من الخارج سيزيد الوضع سوا"، وسياسات الدول الكبرى وعلى رأسها امريكا ومن خلفها إسرائيل والتي تنفذها من خلال المؤسسات الدولية الدائنة، فهي تضغط عليك اقتصادياً لتسلبك حريتك وقرارك السياسي ويتعاملون معك على مبدأ :
(لا يتركونك تنهار. . . . .ولا يسمحون لك أن تعيش بكرامة )
وها هي صفقة القرن تلوح في الأفق إن لم تكن بدأت.
خلاصة القول :
إن تغيير الحكومات والتعديلات عليها.... ايا " كان رئيسها ....ليس هو الحل.
الحل يكمن في :
- مزيداً من الحرية والديمقراطية.
- إجراء تعديل حقيقي على قانون الأحزاب.
- إجراء تعديل حقيقي على قانون الانتخاب.
- إجراء انتخابات برلمانية نزيهة تفرز مجلس نواب فاعل تمهيداً للوصول إلى حكومات برلمانية.
- التعليم ثم التعليم ثم التعليم لأن الإنسان في هذا البلد هو رأس ماله الحقيقي وهو أغلى ما
نملك.
-استعادة الثروة الوطنية التي بيعت وبكافة الطرق القانونية والمؤسسية .
- الجدية في محاربة الفساد وفتح ملفاته واستعادة الأموال المنهوبة.
- التركيز على القضية الفلسطينية وإعادتها إلى دائرة الإهتمام بإعتبارها قضية العرب المركزية
الأولى.
- إنهاء الانتهازية وسياسة العيش على أزمات ومصاءب الآخرين.
- جيراننا الأشقاء عمقنا قوتهم قوتنا وضعفهم ضعفنا وإلا سيأتي يوم تنطبق علينا مقولة ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ).
-توسيع دائرة السياسية الخارجية الأردنية والتعامل مع دول مثg الصين وروسيا وإيران بهدف المناورة والتكتيك والإستفادة من التناقضات الدولية، فالسياسة هي فن الممكن والكل يسعى لتحقيق مصالحه.