في الوقت الذي لا يجد معظم الأردنيين وقتا للاهتمام بأطفالهم وتدليلهم بسبب لهثهم وراء سراب لقمة الخبز المالحة ، تتمتع كثير من الكلاب المتميزة برفاهية بالغة لدى طبقة مخملية في مجتمع متواضع المعيشة ، يندر أن يحصل عليها ، أي الرفاهية ، سواد كبير من أطفال آلاف العائلات التي تعيش على رحمة الله .
وإن كانت الكلاب في العالم الغربي قد أخذت حيزا كبيرا من حياة الناس في تلك المجتمعات التي تفتقر الى اللحمة العائلية والتكافل الاجتماعي الذي تعوضه الدولة عموما والحكومات بشكل خاص لشعوبها ، فإن ذلك الاهتمام يعود الى ثقافة خاصة تمتلكها تلك الشعوب ، ونقص صناعي في العاطفة ، فلا يستغرب ان تعوض امرأة ما أو رجل هناك وحدتها أو وحدته برفقة كلب .. أما في مجتمع كمجتمعنا الذي لا زالت غالبيته العظمى تفتقر الى كثير من مقومات الحياة المتكاملة ، يدفعك الى السؤال : لماذا بدأت تتأصل عادة اقتناء " كلاب الرفقة " ومن سلالات عدة ، وتـحُتضن بحنان أعمق من حنان الأمومة ، وبحرص أكبر من حرص الأبوة .. وبدلال أفيض من دل الطفولة .
في شارعنا العماني هناك خادمتان أراهما كل يوم تقومان على مهمة ترفيه لكلبين ، إحداهما تمرّ كل يوم في تمام الساعة السادسة مساء برفقة " الكليب الأبيضاني "، الأخرى مواعيدها عشوائية تقود كلبا آخر " أحمراني " ، واللافت في الأمر إنهن صبورات جدا عليهما ، وكثيرا ما توقفت الأولى بهدوء تنتظر أن يقوم " الجرو " بقضاء حاجته ، وفي الشتاء الماضي ، آذاني مشهد الخادمة وهي تسير تحت المطر الهاطل استمرارا لمهمتها غير الانسانية .
ولن أذكرهنا بقسم طعام الكلاب والقطط المعلب في المولات الكبرى ، بل سأذكر بأن للخادمات مهمة أخرى غير تدبير شؤون المنازل عند فئة ترمي آبائها وأمهاتها العجائز في مراكز العجزة ، وتلك المهمة ليست بالجليلة وهي " تفسيح الكلاب " المدللة عندهم .. في الوقت الذي تسمى الكلاب في قريتنا بالكلاب الضالة وكثيرا ما تجدها نافقة من الجوع أو الدهس على قوارع الطرق .
فكرة مقالي ليس النيل من سمعة كلاب القاطنين بيننا لا سمح الله " حاشى إسم الله " أو التهكم على رفاقها من البشر الذين ماتوا من البطر ، ولكن سأنقل خبرا حقيقيا وواقعيا لأحد القصور الفارهة لمسؤول سابق ، لا بل لأحدهم ممن تسلم منصب مسؤول جدا في وقت سابق ، وحيث لا صغير يزعج منامه ، ولا ضمير يوخز صدر ذاكرته ، غير امرأة تشاطر رفاهيته ، فإن منزله تتقاسمه أربع خادمات "سوبر " وليس هذا بغريب أو مدعاة للحديث ، بل إن الرابعة هي الفاطرة ، التي تفطر القلب بدلالها و خبرتها ، وهذه الخادمة ليس لها مهمة في تلك السرايا سوى رعاية شؤون الكلبة الصغيرة " سوتشي " .
وسوتشي ، يا غانمين ، لديها حساسية مفرطة من الغرباء أمثالنا ، لدرجة إنها أصيبت بحالة من الإكتئاب ، ما اضطر " رب البيت " الى الايعاز لطابور الخدمات اللوجستية العاملين لراحته لحجز موعد لدى طبيب بيطري ، كنت اتمنى ان أعرف اسمه لأنصح من يعانون من الاكتئاب أمثالنا لمراجعته عل في علاج الكلاب حل لمشاكل الشباب .
ما أسلفته ليست طرفة ، بل حقيقة واقعة ، نقلها لي شاب عمل هناك ، طلق زوجته لعدم قدرته على تكاليف المعيشة وهو مصاب بالسكري ، ولعل مصاريف علاجه وأكله يوميا لا يصل سدس مصاريف سوتشي .
ومن بقي لديه ذاكرة منا ، عله يتذكر " المدام " التي أقامت حفل عيد ميلاد لكلبها قدرت تكاليفه بثلاثين ألف دينار حسبما نشرت صحيفة الغد قبل سنتين .
المشكلة ليست في اقتناء الكلاب أو رعايتها ، فكثير من الناس بحاجة الى كلاب حراسة في المدن أو القرى والبوادي ، حتى ان هناك فندقا صغيرا للكلاب في مزرعة في لواء ذيبان يقوم عليه أحدهم .. ولكن المشكلة في النمط الاجتماعي الذي بدأت تتغلغل فيه عادات سيئة ليست وليدة الحاجة ، ولا تقع في حظ المنطق أو الأخلاق ، حتى أصبحنا نرى أصحاب السعادة الكلاب الصغيرة وهي تخرج رؤوسها من نوافذ "سيارات الهملالي " وتربض بجوار الحسناوات والدميمات من الركائز الملهيات للكلاب الصغيرة والكبيرة المعروفة منها والداشرة .
أعلم إن زج إسم عمان كتخصيص في العنوان هو منطق فوضوي ، ولكني سأخصص التخصيص ، لأؤكد على ان "كلاب عمان " تجمهرت في مناطقها الغربية ، على ألسنة غريبة ، وأشكال عجيبة ، تأكل وتعالج وترفـّه ، وتسافر وتشارك في حفلات السمر التي تقام في المرابع البيتية ، على حساب أبناء عمان والمملكة ممن يكدحون كدحا علهم يجمعون لبيوتهم وعائلاتهم مبلغا يعادل ميزانية " سوتشي " التي اجتمعت كل عناصر الغربة في قصرها المشيد فالسيد غريب والست غريبة والخدم غرباء و"سوتشي اللقيطة " غريبة ، إلا أموالهم ، فإنها أردنية تحمل أرقاما تسلسلية من كل بيت أردني .
عموما لا أتخيل يوما أن تخرج جماهير شعبنا في مظاهرة لمساواتها "بسوتشي " ، فسوتشي أصبحت منا وفينا ، بل أتوقع أن تذهب جاهة لخطبة ذيل سوتشي لرأس " ريكس " كلب أحد المهمين الآخرين .. بل ما أنا متأكد منه أن نخرج يوما متنازلين عن حقوقنا في كل شيء ، حتى فهم ما يدور من حولنا ، ولنطالب بأن لا يتم استشارة " سوتشي وريكس " في القرارات التي تتخذ لتطبق علينا ، فأصحاب الدلال " سوتشي وركس " يشاطرون جلسات كبار الجلسة حينما يتداولون الخطط المتعلقة بمستقبلنا ومستقبل أولادنا ، إذا بقي لنا أولاد .
وكل سنة وانتي طيبة يا سوتشي .. وسلميلي على ريكس ، وماتنسو تعزمو كلابنا على عرسكم !
Royal430@hotmail.com
...............................................
الصورة لخادمات ينزهن كلاب منزلية في العاصمة عمان