خطاب مشعل وملف العلاقة مع حركة حماس
د. محمد أبو رمان
31-08-2009 08:23 AM
قطع زعيم حركة حماس، خالد مشعل، بذكاء وحكمة، الطريق على تحول مناسبة عزاء والده وقرار السماح له بحضوره، إلى أزمة سياسية، لها تداعيات سلبية.
المفارقة أنّ مشعل بتثمينه موقف الملك والمسؤولين كان يردّ، ضمناً، على خطابات سياسية أُلقيت في بيت العزّاء من قيادات إسلامية، حوّلت المناسبة إلى "مهرجان إدانة" للسياسات الرسمية.
مساحة الاختلاف والتباين والمعارضة للسياسات الرسمية مشروعة، بل وضرورة وطنية، لكن هذا شيء، ورؤية بعض القيادات الأردن بمنظور أسود ومشوّه شيء آخر تماماً.
بدلاً من استثمار هذه الفرصة وتقديم "رسالة ذكية"، لم تلتقط تلك القيادات، كالعادة، اللحظة السياسية، وما تمثله من "اختبار لحسن النوايا"، فقدّمت خطاباً سياسياً، خلق استياء شديداً لدى المسؤولين، مما يشوّه مواقف حماس، ولا يخدم الخروج من مرحلة الأزمة والقطيعة بين الطرفين!
بالعودة، إلى خطاب مشعل، في بيت العزّاء، فقد قدّم معايير واضحة ناضجة في تحديد الأرضية الصلبة المشتركة التي يمكن أن يقف عليها الأردن مع حركة حماس، وقد أعلن توافقه الكامل مع حديث الملك الأخير (أمام القوات المسلّحة)، الذي أكّد فيه على الثوابت الأردنية والفلسطينية.
مشعل أوضح أنّه بالرغم من العلاقة الاجتماعية العميقة والمتشابكة التاريخية بين الأردنيين والفلسطينيين، فإنّ حماس تتحدث بلغة سياسية ترفض الاتكاء على هذه العلاقة لتمرير أية حلول تصفوية للقضية الفلسطينية على حساب الأردن.
وأكد مشعل على رفض الحركة للوطن البديل والتوطين، وأي علاقة سياسية مع الأردن، تؤثر على الحقوق الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.
في الشق الأمني والسياسي الداخلي، كان الرجل، أيضاً، واضحاً، برفض أي مساس بأمن الأردن، وقال " إن حماس درعٌ حامٍ له، لا تسعى إلى نفوذ مباشر أو غير مباشر، سواء من داخل الحركة الإسلامية أو من خارجها". (وهو ما يحتاج إلى تأطير عملي على أرض الواقع، وتحديداً في سؤال الهوية السياسية الذي يعصف بالحركة الإسلامية الأردنية اليوم).
إذن، يقدّم مشعل رسالة سياسية، بلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ، إلى "مطبخ القرار" في عمان، تتطلب تقديم الرؤية الأردنية المقابلة لحيثيات هذه العلاقة وآفاقها المطلوبة.
ولعلّ السؤال الأهم، بعد التوافق على الثوابت والمصالح الراسخة وطنياً وسياسياً، هو الاعتراف بالاختلاف وفي استراتيجية إدارته.
في أوساط النخب السياسية الأردنية، ثمة ثلاثة اتجاهات رئيسة في تصور العلاقة مع حماس، الأول يدفع دوماً نحو الخصومة مع الحركة حماس ومعاداتها، ودعم الرئيس عباس حصرياً، ويبدو أن هذا التيار له موقف ثأري أيديولوجي مسبق من الإسلاميين عموماً.
أمّا التيار الثاني، من المعارضة الإسلامية واليسارية والقومية، فعلى النقيض تماماً، يدعو إلى إعادة هيكلة الخيارات الاستراتيجية الأردنية واستبدال حماس بسلطة رام الله، وهو تيار يقفز على الحسابات التاريخية والدقيقة، والمساحات الممكنة للخيارات الأردنية خارجياً وداخلياً.
التيار الثالث، الذي أحسب أنه يمثل الاتجاه العام من النخبة، فلا يرى تعارضاً بين خيارات الأردن الراهنة في دعم للسلطة الفلسطينية والحوار مع حماس والتواصل معها.
لا توجد للأردن أي مصلحة في معاداة حماس، بل كافة الحسابات الأمنية والاستراتيجية تؤكد على ضرورة الحوار مع الحركة، والانفتاح عليها واستثمار العلاقة التاريخية الحميمية في دور أردني "مطلوب- غائب" في المصالحة الفلسطينية الداخلية.
ثمة أرضية مشتركة يمكن الوقوف عليها، ولا يمكن التعامل مع الحركة، بعيداً عن إدراك أنّها اليوم رقمٌ صعبٌ في المعادلة الفلسطينية، ولديها قنوات مع الغرب والشرق. ولا يوجد أي تفسير عقلاني للجفاء الرسمي الحالي معها، إلاّ العجز عن خلق حوار متقدّم لإدارة مصالحنا الاستراتيجية!
m.aburumman@alghad.jo