رسائل النوايا الطيبة من بيت العزاء: اقتران الأقوال بالأفعال؟!
جميل النمري
31-08-2009 05:04 AM
لم يوفر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل المناسبة بما تضفيه من أجواء تقارب انساني لتوجيه رسائل مباشرة مفعمة بالنوايا الحسنة تجاه السلطة الفلسطينية، وتجاه الأردن على وجه الخصوص. بل ترجّى لو أن الآثار الطيبة التي تسجّل عند رب العالمين في ميزان الحسنات لوالده تتوج بمأثرة أخيرة تصنعها مناسبة وفاته للتقدم بالمصالحة الفلسطينية ووصل ما انقطع مع الأردن.
ذهبنا الى مجلس العزاء ليل أول من أمس، وكان الخطباء يتناوبون على المنصّة، وفهمنا أن بعضهم زاد العيار كثيرا ثم جاءت كلمة مشعل على النقيض هادئة معتدلة تصالحية الى أقصى الحدود.
ومن الواضح أن المتحدثين المحليين كانوا في واد آخر، بينما بوصلة مشعل السياسية تتجه بتصميم لاستثمار المناسبة عسى أن ينفتح شق في الباب الموصد مع الأردن. وقال مشعل إنه لن يكون إلا شاكراً وممتنا لجلالة الملك والمسؤولين، حتّى لو كان اذن الزيارة قد اقتصر على بضع ساعات فقط في تأكيد على احترامه لسيادة الأردن على قراره.
ومع الكثير من العبارات الدافئة والعاطفية عن العلاقة بين الشعبين وعن تضحيات الأردنيين وعشائرهم من أجل فلسطين قدم مشعل توطئة سياسة دقيقة تقترب من هواجس الأردن والأردنيين، بل تتقاطع معها في النقاط الحساسّة المتعلقة بالتدخل والتداخل بين الساحتين الأردنية والفلسطينية.
وعندما وصل إلى "ثالثا" طلب انتباه الحاضرين لأهمية الموضوع، بل توجه لمن يصدرون جلبة عند المدخل طالبا الهدوء لكي يوصل رسالته جيدا. قال مشعل إنّ حماس واعية لمشاريع الوطن البديل، وأشار الى حديث جلالة الملك قبل اسابيع عن التمسك بحق اللاجئين في العودة والتعويض مؤكدا عليه، وعلى رفض مشاريع التوطين والوطن البديل أو ربط الأردن بكيان فلسطيني مسخ ومنقوص، ومع ملاحظة خصوصية التداخل التاريخي والاجتماعي بين الشعبين كرر مشعل بقوّة على دقة الموقف والحساسية السياسية لأي تداخل، وأكّد أن الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين، وحماس لن تكون إلا درعا لحماية الأردن، ولا تنافس على النفوذ فيه ولديها من الهموم في ساحتها ما يكفي، وكان يلمح إلى السجال الاخواني هنا حول ازدواجية العضوية والتمثيل بين إخوان الأردن وحماس.
ليس مرجحا وقوع شيء خلال هذه الزيارة يخرجها عن البعد الانساني، الذي حرص المسؤولون على حصرها فيه، ولا نجزم بأثر رسالة مشعل المشجعة والايجابية عند مستويات القرار في الأردن، وعلى الأرجح سيكون هناك تريث بانتظار اقتران الأقوال بالأفعال، وثمّة مناسبة قائمة بالفعل الآن هي الخلاف داخل الصفّ الاخواني حول ازدواجية التمثيل واستقلالية كلا التنظيمين الأردني والفلسطيني.
فعلى النقيض من تأكيدات مشعل، وبحسب المعلومات فإنّ التيار الحماسي في الاخوان هو الذي يتمسك بالازدواجية، وقد سبق لبني ارشيد أن اتهم معتدلي الاخوان بتبني موقف الدولة من فكّ الارتباط! بينما ترجمة الخط الذي تحدث به مشعل تعني على الفور حسم قضية الازدواجية التي تشق الصف الاخواني، وحسم التداخل بصدق يقنع المسؤولين المطلعين عندنا على بواطن الأمور.
jamil.nimri@alghad.jo