«اللامركزية» .. هل نجحت التجربة؟
د. فيصل غرايبة
13-03-2019 12:01 AM
دلل الحراك الملموس- في حينه–باتجاه انتخابات مجالس المحافظات والبلديات، على تأكيد الصفة التمثيلية الشعبية في تناول الشأن العام، وعلى رغبة شعبية اكيدة في ايجاد حالة من اللامركزية في ادارة الشؤون المحلية على مستوى المحافظات وتعزيز نموذج راسخ في ادارة الشؤون البلدية عن طريق مجالس منتخبة، وعبر عن القناعة العامة بالنهج الديمقراطي لادارة الشأن العام.
وتتجه الانظار في مثل هذه الانتخابات إلى الشباب،باعتبارهم أداة التنمية وهدفها وفرسان التغيير المستقبلي المنشود، وذلك عبر أصواتهم، التي سوف يسطرونها على أوراق الترشيح، بعيدا عن أي مؤثر أن، لا يحاسبهم فيه إلا الله سبحانه وتعالى وضمائرهم الحية، وأصواتهم تلك هي التي ستشكل المجالس المحلية (محافظات وبلديات ورؤساء بلديات) المنتظرة في كل مناسبة من هذا النوع، والتي يتشوق المواطنون في المدن والبلدات والقرى أن تتوافر في خصائص أعضائها وقدراتهم وسيرة كل واحد منهم، كل صفات النبل والنقاء والنظافة والطهر، وكل مقومات المواطنة المخلصة والأبية وذات بذل وعطاء وتضحية من أجل المجتمع المحلي والوطني
لقد شهدنا وعشنا في تاريخ بلادنا وبتجربتها الديمقراطية نماذج انتخابية على مختلف المستويات، وفي طليعتها نموذج الانتخاب لمجلس النواب، التي كانت تدل دائماً على أن الاختيار الواقعي يبنى على تحقيق بعض المكاسب الشخصية، والبحث عن الشخص الأقدر على مساندة المواطنين في تحقيقها، غير أن من كتب لهم النجاح لم يستطيعوا أن يوفوا بجميع وعودهم لكل من صوت لهم، أو ركض معهم لتأمين الأصوات، أوأهملوها وأخضعوها للتسويف والمواربة، فانقلب المواطنون ضدهم، فواجهوا حالة عدم الثقة من المنتخبين والقاعدة الشعبية في دوائرهم. أما المصلحة العامة التي قامت الانتخابات والبرلمان والتنظيمات الشعبية والمنتخبة من أجلها، قد بقيت غائبة عن الأذهان والأفعال، فضلا عن أن مساءلة النائب المنتخب لم تتم في ضوء اعتبار هذه المصلحة الوطنية.
يلاحظ أن الأحاديث تتزايد، والمناقشات تحتدم، حول الحزبية والعشائرية، وخاصة عند الاقتراب من موعد انتخاب مجالس البلديات والمحافظات في إطار اللامركزية، تفرز الناس حولها إلى تيارين، الأول: يؤيد قيام حركة حزبية ناشطة قوية، تستقطب الناس حولها، وتوجه الرأي العام،وتغذي الحملات الانتخابية، وتختار النواب على أساس انتمائهم الحزبي وميولهم السياسية وقناعاتهم الأيديولوجية، بغض النظر عن انتماءات المرشحين والناخبين العشائرية، والثاني: الذي يؤيد الإبقاء على الروح العشائرية: التي تحافظ على التفاف العشائر حول أبنائها، بالترشيح والانتخاب، وإهمال أية ميول حزبية ونزعات عقائدية، بغرض المحافظة على ما ألفه المجتمع الأردني، من أن تكون الروابط العشائرية،أساس التماسك الاجتماعي،ومنطلق الصلات داخل المجتمع، في المجتمعات المحلية والمجتمع الوطني ككل.على الرغم من حدوث انقسام داخل العشيرة الواحدة، نظرا لعدم حصول اجماع داخل العشيرة على مرشح واحد، فينفض الناخبون تبعا لهذا الانقسام.
ان هذا النمط المستحدث من المجالس والانتخابات اداة لكي ينخرط الجميع في ورشة البناء الوطني، بفاعلية وعدالة، بدون أي تعصب لفكرة أو اتجاه أو انتماء جزئي، ومن غير انحياز في الخدمة العامة وفرص المواطنة، وعدم الجور على الحقوق واحتكار الحقيقة. ونأمل أن يكون هذا النمط مختبرا لحسن النوايا، أثناء الحملات الانتخابية بداية، وتكون ذات حصيلة موفقة من حسن الاختيار، بحيث يختار الناس من يمثلهم في مجالس المحافظات والبلديات، ممن يتصفون بالانفتاح على الجميع، وممن يسعون لمصلحة الجميع، ولا يشدون أنفسهم لدائرة ضيقة ولمنفعة محدودة.
باحث في قضايا المواطنة
dfaisal77@hotmail.com
الرأي