سلوكيات سلبية لا تعالجها المؤتمرات !!
د. هايل ودعان الدعجة
30-08-2009 07:15 PM
نسمع بين الحين والآخر عن عقد ندوات أو اعداد برامج اعلامية وتربوية وتثقيفية لمناقشة بعض الظواهر السلوكية السلبية التي أخذت تنتشر في مجتمعنا، ودراستها والوقوف على أسبابها ودوافعها. وإن النتائج والحلول والمقترحات التي تقدمها هذه الندوات والبرامج لا يمكن أن تخرج عن كونها مجرد معلومات يسعى المشاركون الى توفيرها وتوصيلها الى الناس بطريقة تسهم في توعيتهم وارشادهم وتثقيفهم، بافتراض أن المعلومة هي أساس الوعي. وأن سبب المشكلة بالاصل هو غياب المعلومة، وبالتالي غياب الوعي. ولكن هل هذا صحيح ؟ هل الشخص المنحرف سلوكياً يفتقر الى هذه المعلومات، واننا لو وفرناها له لساهمنا في توعيته وارشاده الى جادة الصواب ؟
أرى أن هذا الأسلوب في التعامل مع الظواهر السلوكية السلبية غير مجدي طالما أن هذه هي أهدافه.. وطالما أنه يخاطب ويستهدف الشريحة ذات السلوك المنحرف التي قد (طبعت) على الانحراف، ووصلت الى مرحلة عمرية يصعب معها التغير في سلوكها. بدليل أننا لو سألنا أي شخص عن رأيه بظاهرة تمزيق مقاعد وسائط النقل (وشخطها) وتشويه منظرها بما في ذلك الشخص الذي يقوم بتمزيق هذه المقاعد، فإنه على استعداد لتقديم محاضرة حول هذا الموضوع يؤكد من خلالها على ان هذا التصرف غير حضاري وغير أخلاقي. لنلاحظ هنا ان الشخص الذي يمارس هذا السلوك السلبي يقر بهذا الانحراف السلوكي. اذن هو لديه معلومات كافية عن هذا الموضوع ويعي ما يفعل ويميز بين الصح والخطأ، ومع ذلك يرتكب السلبيات. ونفس الشيء ينطبق على الشخص الذي يستخدم الهاتف لازعاج الآخرين، فهو يدرك قبل غيره أن هذا الاسلوب منافي للأخلاق ويؤذي الآخرين ويزعجهم ويسبب لهم المشاكل والاحراجات، ومع ذلك يرتكب هذا التصرف اللاخلاقي. والشخص السارق أيضاً، يدرك أنه يعتدي على حرمة الآخرين وأموالهم ويخالف الأنظمة والقوانين ويعتبر لصاً، ومع ذلك يسرق. حتى في حالة التجاوز الخاطئ، فإن السائق يعرف أنه يخالف أنظمة وتعليمات وقواعد السير، وانه يعرض حياته وحياة الآخرين للخطر، ومع ذلك يتجاوز.
وكذلك الحال بالنسبة لظواهر سلوكية أخرى، مثل التلفظ بألفاظ نابية، شخط السيارات بالمسامير، استعمال الزامور بشكل مزعج، الغش، الكذب، وعدم الالتزام بالتعليمات والشواخص والقواعد المرورية وحتى التدخين. اذن رغم أننا نعرف الخطأ من الصواب، ولدينا معلومات وندرك ونعي ما نفعل، إلا أننا نرتكب الأخطاء.. ومرة أخرى نقول هل حققت الندوات الاعلامية غايتها ؟ وهل لهذه الندوات غاية غير توفير المعلومة وبالتالي خلق الوعي ؟
كل هذا يجعلنا نؤكد على أهمية معالجة هذه الظواهر من جذورها وقبل استفحالها وانتشارها، وذلك من خلال العودة الى المؤسسة التربوية والسلوكية الأولى في حياة الفرد، وهي الاسرة القادرة على توجيه سلوك وتصرفات ابنها وضبطها وهو لا يزال في مرحلة الطفولة.. مرحلة بناء شخصيته وصقلها وتكوينها، وتحديد معالم هويته السلوكية. فكل ما يحمله معه في هذه المرحلة من مؤهلات تربوية سوف ينعكس على سلوكه، وسيحدد ملامح شخصيته وتكوينه كفرد في المجتمع. بحيث ينعكس على تربيته وتصرفه، ويصبح جزءاً من سلوكه وشخصيته على قاعدة (من شب على شيء شاب عليه).
ويمكننا ان نضيف الى هذه المؤسسة او المرحلة.. مرحلة الدراسة الإلزامية في حياة الطالب لما لهاتين المرحلتين التربويتين من دور في التأثير بتكوين الفرد وترسيخ الأسس والمعايير التربوية والسلوكية السليمة إن نحن أردنا ذلك. من هنا يجب ان توجه الندوات والبرامج الاعلامية رسالتها الى الاسرة (والمرحلة الدراسية الإلزامية)، وتبحث عن الآليات الكفيلة بمساعدتها في أداء دورها وتربية أبنائها. فالاسرة في المحصلة هي الركن الأساسي في حياة الفرد، وحياة المجتمعات. وهذا يعني أن توجيه هذه الندوات الى الشخص المنحرف سلوكياً مباشرة بعد ان يكون قد تخطى مرحلة الطفولة لن يكون مجدياً ولا نافعاً على اعتبار ان ما لجرح بميت ايلام ! ولن نقوى على ردعه وضبط سلوكه تحت أي ظرف. وما نشهده هذه الأيام من ممارسات سلبية يبدو انها فواتير سابقة استحقت الدفع على شكل ظواهر سلبية، عندما فشلنا في تربية أبنائنا تربية صحيحة خلال السنوات الأولى من أعمارهم. فكان على المجتمع ومع كل أسف، ان يدفع قيمة هذه الفواتير من المال العام، وأحياناً من أمنه وسمعته خصوصاً عندما تصل الأمور لدرجة الجريمة وتهديد حياة الآخرين.
اشعر أحياناً أنني أخوض في قضية صعبة إن لم تكن مستحيلة، ولكن عندما نكتشف الثمن الذي يدفعه المجتمع جراء انتشار هذه الظواهر السلبية، ندرك أهمية دور الحكومة في تبني هذه القضية، وتشكيل اللجان الاجتماعية والسلوكية والتربوية الكفيلة باعداد البرامج والندوات الاعلامية التي من شأنها تفعيل دور الأسرة في تأدية رسالتها تجاه ابنها الذي هو في المحصلة مواطن في المجتمع.