مقاطعة اللحوم بين جشع التجار ووعي المستهلك
ماجد ديباجة
30-08-2009 04:53 PM
لقد عمدت جمعية حماية المستهلك مشكورة الى الاعلان عن حملة لمقاطعة اللحوم الحمراء مع بداية الشهر الفضيل ، متوقعة ان يهب الشعب الاردني الى التجاوب والانقطاع الفوري عن تناول اللحوم والعمل على اعدام كل الالوان الحمراء التي تذكرهم باللحم الاحمر ، تمشيا وتجاوبا مع تلك الدعوة العتيدة ، ولكن وللاسف الشديد لم نرى من هذا الامر مايدل عليه الواقع ، واذا كانت نسبة شراء اللحوم الحمراء قد انخفضت فان ذلك بسبب غلاء هذه اللحوم ، وليس بسبب الرغبة في مقاطعتها والتجاوب مع الدعوة الكريمة التي قدمتها جمعية حماية المستهلك .
وربما يعود ذلك الى الكثير من الاسباب التي قد نستطيع الوقوف عليها ، مع اختلاف وتباين هذه الاسباب ما بين علاقة المجتمع الاردني بمؤسساته الوطنية والشعبية ، ومقدار اقتناعه بدورها في حماية الناس من جشع وطمع التجار ، وبين الاسباب التي تتعلق بطبيعة المجتمعات المستهدفة وطبائعها السلوكية التي تنطوي على الكثير من المغالطات الاجتماعية والانماط السلوكية السلبية ، بحيث تحول دون المقدرة على توظيف المقدرات والامكانات النفسية والاقتصادية والاجتماعية ، للتجاوب مع مثل هذه الدعوات او تفعيلها ، فالمواطن الاردني تربى على انماط سلوكية استهلاكية تنسحب على مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيشها ، بحيث اصبح غير قادر على تحديد اولوياته واحتياجاته ، فيسلك مسلكا منطقيا وعقلانيا في التعامل مع الاحداث وفي تحدي او مواجهة مختلف المصاعب والطوارئ والمعوقات التي تواجهه .
ولذلك فاننا نهيب بالمؤسسات الوطنية والشعبية التي تعمل وتجهد في سبيل تحقيق ادنى درجات الوعي في مجتمعاتنا ، ان تنبري الى دراسة افضل السبل المؤثرة في السلوك الاجتماعي ، وذلك عن طريق مخاطبة الناس بالخطاب المقبول والمرغوب لديهم ، فلا ضير في استخدام الخطاب الديني مثلا والتدليل على ما تصبو اليه هذه المؤسسات بالبرهان الديني المتوفر على الكثير من هذه الادلة ، التي تدعو الى تعديل السلوك البشري نحو التوفير وعدم الاسراف ، مما يقطع الطريق على المتاجرين بقوت الناس والمتعطشين لتلقف لهفة الناس وتكالبهم على المواد الاستهلاكية دون تأني او تروي او ترفع للنفس البشرية عما يتزين لها من الاطاييب والشهوات .
يقول تعالى في محكم تنزيله : بسم الله الرحمن الرحيم ( ان المسرفين كانوا اخوان الشياطين ) ويقول تعالى ايضا ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) صدق الله العظيم .ان مثل هذه الايات وغيرها من محكم التنزيل والاحاديث النبوية الكثيرة لتحمل دلالات عدة ، حرية بتذكير الناس باهمية تعديل مسلكياتهم ، وضرورة تطوير مستويات الوعي لديهم ، مما يهذب النفس البشرية ويدفعها لتتصدي بوعي ومسؤولية للتواطئ القائم على استلاب عقول الناس ، واغراقهم في اتون الاستهلاك غير المسؤول ، وتشكيل انماطهم السلوكية باتجاه تحقيق مكتسبات التجار والمتاجرين بافواه وجيوب البشر انها دعوة لكل المؤسسات والجهات الوطنية والشعبية المعنية بخدمة الناس ،وحمايتهم ، لتعديل الية الخطاب ومستوى التعاطي مع الناس ، بحيث تنبري الى تفعيل مفاهيمها الاعلامية والدعائية لتكون اكثر ارتباطا مع القيم والمعارف المغروسة في نفوس الناس البسطاء ، فتكون اكثر وقعا على النفس واشد تاثيرا فيها . مما يدفع باتحاه تبني هذه المفاهيم وممارستها عمليا وواقعيا .