قصة يرويها احد السياسيين المخضرمين عن زيارة قام بها مسؤل رفيع جدا الى احدى العشائر لتناول الغداء واثناء الجلسة تعمد هذا المسؤل الكبير ان يسأل "المعزب " وهو شيخ حكيم عن رايه في الحكومة التي كان قد مضى على عملها ثلاث سنوات , فتهرب صاحب البيت اكثر من مرة من الاجابة لكنه تحت اصرار الضيف تحدث عن عملية جمع المياه في الابار والتي توفر بها بلدته الماء لحياتها , وفي ثنايا الكلام قال ان الماء اذا بقي في البئر ثلاث سنوات فانه "يروح" والكلمة بكسر الياء والسكون على الراء أي تفسد , وعندها عرف الضيف الكبير الاجابة وان راي الشيخ في الحكومة انها لم تعد قابلة للحياة.
ليس المهم ان كان بديل تلك الحكومة افضل منها , لكن هنالك كيانات سياسية مثل الحكومات تصل الى مرحلة تفقد معها القدرة على العمل , لانها تفقد الروح وتفقد المبادرة وتفقد مكانتها لدى الناس لتكاثر مشكلاتها وتعدد المحطات السلبية لها , وعندها لايصلح معها تعديل او ترقيع او أي اصلاح , لان الخلل يكون في صورتها وروحها ومكانتها وليس خللا في جوانب فنية يمكن اصلاحها .
وفكرة التعديل الوزاري جاءت لتعطي الحكومة فرصة على اصلاح الجوانب الفنية لاي حكومة , ولتعطي أي رئيس فرصة لاصلاح اخطاء عند التشكيل او دعم فريقه الوزاري بعناصر فنية بعدما لم يثبت بعض الوزراء قدرتهم , لكن التعديل لايعود حلا لاي حكومة فقدت روحها , او تعددت الازمات التي عجزت عن حلها وغرقت فيها , او مع حكومة اخذت فرصا لتصحيح مسارها وفشلت حتى في استثمار هذه الفرص فاصبحت بعد فرص الاصلاح اكثر ضعفا او على الاقل لم يلمس المتابع لعملها تغيرا حقيقا على مسارها , ولهذا قال المثل العربي " لايصلح العطار ما افسد الدهر " ولهذا نقول لايصلح التعديل على أي حكومة ما افسدته في مسارها من فرص وما قدمته من اداء غير مقبول.
هنالك طلاب في الثانوية مثلا لايحالفهم النجاح لكن احدا لايلومهم كثيرا لانهم لايمتلكون ظروف النجاح من فقر وعمل وبيئة متعبة , لكن طالبا يمتلك كل الظروف للتفوق ثم ينجح بمعدل 70 فانه لايجد فرحا لانه فوت على نفسه فرص التفوق , وهكذا الحكومات , فالحكومة التي تعمل في ظروف كلها لخدمتها وتجد من يغلق عنها ابواب النقد والرقابة ويسخر لخدمتها كل المؤسسات ثم لاتقدم اداءا معقولا او تغرق في مشكلة خدماتية لاتحاسب مثل حكومة نعمل ضدها مؤسسات رسمية او يجري التحريض عليها , والحكومة التي يقوم رئيسها بالتعديل كما يشاء ثم يكون التعديل بلا اضافات ايجابية ليس مثل رئيس يعدل لكن التدخلات حوله كثيرة , ولهذا فالحساب ليس على مطلق الامور بل بمراعاة الظروف.
واحيانا يكون سلاح البعض في الدفاع عن حكومة اتعبتها الامور ان رئيسها محترم وليس فاسد وهذا امر ايجابي , لكن رئيس الحكومة مسؤل عن امور اخرى حوله وليس ان كان هو يمد يده ام لا , والرئيس لاي حكومة ليس رجلا يطلب عروسا حتى يكون موؤهله انه محترم بل الكفاءة والقدرة وتقييم المبادرة لديه ولدى حكومته .
ما قاله شيخ العشيرة عن فساد الماء في البئر بعد ثلاث سنوات ليس قانونا دائما فهنالك ماء يفسد بعد شهور او بعد سنة او قبل السنتين .....
الغد.