تحية لمبادرة “يلا عالبلد”
د.محمد المومني
12-03-2019 12:23 AM
عمل طیّب وخیّر عكس الروح الإیجابیة في مجتمعنا دعا لمغادرة التلاوم وعمل شيء لمساعدة أبناء الأردن من التجار الذین تضرروا من السیول الغزیرة الأخیرة. أیاد أردنیة وشباب مبادر خرجوا بفكرة ”یلا عالبلد“ لإحلال العمل بدل الكلام والجدل، والإیجابیة بدل الإغراق في السوداویة. غیر معروف أثر تلك الحملة المالي على التجار، ولا ان كانت حققت ھدف إنقاذھم من الخسائر العینیة التي تكبدوھا. لكن، وعلى أھمیة الأثر المالي للحملة، إلا أن الأثر المعنوي لھذه المبادرة تعدى أبعادھا المادیة بكثیر، وأظھر معدن المجتمع الأردني المليء بمعاني النخوة والإیثار، وحتما أشعر تجار وسط البلد بوقوف أبناء بلدھم معھم في محنتھم.
ما حدث في وسط البلد آلمنا جمیعا، وسادت لحظات غاب فیھا صوت المنطق الموضوعي في التعاطي مع الحدث وتقییمھ وتسبیبھ وسط أنین التجار وخسائرھم. الدرس الأساسي المستفاد مما حدث ضرورة أن یكون ھناك اشتباك توضیحي یضع الأمور في نصابھا الدقیق بعیدا عن حملات التلاوم والتشكیك. توضیحات میدانیة ولیس سیاسیة تجیب على ھواجس الناس وأسئلتھم المشروعة بدقة وبشكل مباشر وبأسلوب علمي. وحسنا فعل المعنیون والأصوات المحایدة باستحضار حالات شبیھة من دول أخرى أغنى من الأردن عانت من موجات مناخیة كبدتھا خسائر كبیرة. ھذا لا یعني ألا تكون ھناك محاسبة للمقصرین، ولكن لیس على قاعدة أكباش الفداء بل ضمن تقییم موضوعي سریع ذي مصداقیة.
مبادرات عدیدة تعكس ما في مجتمعنا من خیر؛ شباب ینشرون أرقامھم للمساعدة في أحوال الطقس الصعبة بسیاراتھم المھیئة لذلك، آخرون یبادرون لتنظیف الأماكن السیاحیة والحدائق العامة، شابات وشباب یتطوعون لتدرس العلوم واللغات في مناطق الأردن الضعیفة تعلیمیا، وفئات أخرى تقوم بأعمال تطوعیة قطاعیة عدیدة تجسیدا لقیم العطاء والتكافل المجتمعي. ھذه عینة محدودة من أمثلة كثیرة، وغیض من فیض لكثیر من الخیر الموجود في مجتمعنا، والذي تعمل جھات رسمیة وأھلیة عدیدة على مأسستھ. فضیلة التطوع والمبادرة والعطاء بدون مقابل لمن استطاع ذلك تغذي مجتمعنا وتقویھ، وتنشر فیھ الخیر والمحبة والتسامح، وتمنح المتطوع رضا عن النفس.
مفھوم ”العونة“ والتكاتف من أنبل القیم المجتمعیة الأردنیة التي سادت وما تزال في مدننا وقرانا وبوادینا ومخیماتنا، وما أحوجنا الیوم لاستدعاء ھذه القیم واستحضارھا، فخیرھا علینا جمیعا لا حدود لھ. مبادرة ”یلا عالبلد“ جسدت ھذه القیم وابتعدت عن كل الأبعاد السیاسیة التي صاحبت السیول، وأثبتت أن قیم المجتمع أكبر من السیاسة وتجاذباتھا، كما أثبتت أیضا أن الأردنیین كبار وأنھم أكثر صلابة من جمیع الازمات، وما الأعداد الغفیرة التي أمت وسط البلد إلا دلیل حي على ذلك.
تحیة لمن بادر ومن استجاب وشارك، ودعوة لكل من یستطیع ألا یبخل على بلده ومجتمعھ بالمبادرة والاشتباك لما فیھ خیر الأردنیین، ولیتعلم السیاسیون من ھذه الروح الإیجابیة المعطاءة التي طالما كان الأردن رائدا فیھا.
الغد