هل ستخرج "القاعدة" من تحت أنقاض داعش .. ؟
حسين الرواشدة
12-03-2019 12:09 AM
* التنظيمات الإرهابية تعيد «تكرير» نفسها
فيما تتسابق الاطراف المعنية بمواجهة الارهاب والحرب ضده عن اعلان «وفاة» تنظيم داعش بعد خمس سنوات على انطلاقه، حيث انحسر نفوذه وتمدده في سوريا والعراق، وتحطم نموذجه المتوحش، يبدو السؤال عما بعد داعش مطروحا ومشروعاً ايضاً.
قبل الاجابة لا بد من الاشارة الى ان داعش لم يكن - فقط - تنظيماً عسكرياً يمكن هزيمته بالحرب وبالتالي القضاء عليه نهائياً، كما انه لم يشكل ابدا دولة حقيقية،، داعش (كغيره من التظيمات الارهابية) ايديولوجيا متحولة ومتجذرة ايضاً، يعتاش على رصيد عميق من التراث المغشوش، وتغذيه ظروف موضوعية ذاتية وخارجية، وتحضنه بيئات مجروحة فقدت الامل بالتغيير، وشهدت صراعات دامية على تخوم الهوية التي أصبحت قاتلة.
الان داعش الدولة «المتخيلة» انزوت وتلاشت تماما، كما ان داعش التنظيم انحسر وانهزم، و»الداعشيون» تفرقوا واختفوا بين هارب وعائد لبلاده، وبين «متخف» في المناطق التي يعيش فيها، فهل يمكن ان نتوقع ان الخطر انتهى وان الحرب ضد الإرهاب وضعت اوزارها؟
الإجابة يمكن استدعاؤها من الماضي ومن الحاضر ايضاً، فقد شهدنا في العراق مثلاً بدايات داعش مع الزرقاوي الذي واجهته الصحوات ثم اختفى ليظهر مع البغدادي لاحقاً، كما شهدنا طالبان التي هزمت بعد احداث سبتمبر 2001 ثم استعادت جزءاً من قدرتها الان، وربما تفاجئنا بالعودة الى الحكم في افغانستان، كما اننا نشهد الآن عودة «القاعدة» التي كادت تتلاشى مع اغتيال بن لادن، فقد أعلنت قبل عامين تنظيمات في شمال مالي اندماجها في تنظيم واحد(اسمه نصرة الإسلام والمسلمين) ثم أعلنت مبايعتها لأيمن الظواهري زعيم القاعدة، وقس على ذلك ما حدث في ادول افريقية اخرى، وما يمكن ان تفعله الذئاب المنفردة التي تفرقت بعد ان تقككت داعش، مما يعني ان النسخة الأم التي خرجت منها داعش عادت مرّة أخرى، وربما تكون اشرس مما مضى.
ماذا لو تحالفت «القاعدة» مع فلول داعش؟
الإجابة بنعم ستكون صادمة، لأن مجرد مثل هذا التقارب أو التعاون سيجعل من جبهة «الإرهاب» الموّحدة تحدياً كبيراً على مستوى العالم كله.
رغم ان المعلومات مازالت شحيحة حول «اتصالات» جرت بين الطرفين : الاخوة الأعداء من أجل التوصل الى «تحالف» ولو مؤقتا الاّ ان ثمة إشاراتين يمكن ان تندرج في سياق إمكانية حصول ذلك، الأولى ان القاعدة تعتقد ان بقاء داعش ولو مؤقتاً كمجاميع متفرقة وضعيفة سيصب في مصلحتها على المدى البعيد، فهي كانت تخشى من ان تتصدر داعش قائمة «التنظيمات» المسلحة وان تتمدد في العالم على حسابها، أما وقد انحسرت وتراجعت وضعفت عسكريا ومعنويا وتخلت عن حلم الدولة، فإن التحالف معها ممكن ومفيد ايضاً.
الإشارة الثانية هي ان القاعدة تراهن على انضمام المزيد من المقاتلين اليها في حال اقترابها من داعش، خاصة الذين انشقوا عن داعش او الآخرين الذين يفكرون بالانشقاق لأسباب مختلفة، وقد سبق ان انضم العديد من قيادات داعش للقاعدة كما حصل مع انشقاق جبهة النصرة عن التنظيم.
تبقى ملاحظة ثالثة، وهي الخطوة التي قامت بها المملكة العربية السعودية قبل ايام حين اعلنت عن تجريد نجل اسامة بن لادن( اسمه حمزة) من الجنسية السعودية، باعتباره قياديا في تنظيم القاعدة وقد يكون خليفة لوالده،وربما كان ذلك استشعارا بعودة القاعدة كمصدر تهديد، بعد ان انتعشت اعمالها في العراق، وبعد ان اقتربت من استقطاب اعداد من تنظيم داعش الى صفوفها.
ممكن ان نعود بالذاكرة الى عام 2014، آنذاك أعلنت داعش انشقاقها عن القاعدة، ثم بدأت الأخرى سلسلة تصريحات تبرأت فيها من التنظيم الوليد، كانت الخلافات الايدلوجية والسياسية مفهومة بالطبع وقد بدأت قبل ذلك حين كان الزرقاوي يتصدر صفوف التنظيم في العراق، ثم تجذرت اكثر مع قدوم البغدادي، هذه الخلافات كانت عميقة بالفعل، ابتداءً من مسألة إقامة الدولة والخلافة الى تحديد من هو العدو الى أولويات الجهاد وساحاته وصولا الى حدود التوحش، لكن بقي لدى الطرفين اللذين خرجا من رحم واحد مشتركات ايدولوجية وسياسية وإن اختلفت الرؤى والالويات، وهي كفيلة بدفعها للدخول في أي نوع من التعاون، او حتى التحالف وربما الاندماج.
التنظيمات الإرهابية –في الغالب - تعيد «تكرير» نفسها وتتكيف مع الواقع الذي تجده، ثم تحاول ان تجدد سرديتها الإعلامية لتكسب جاذبية تتيح لها ان تستقطب المزيد من الاتباع، ومن المفارقات ان تكون قدرة هذه التنظيمات على «التحول» والتكيف أكبر نسبيا من قدرة الدول، ليس فقط لأنها كسرت حدود الجغرافيا والديموغرافيا، وانما لأنها –ايضاً- تملك إمكانية «التحوصل» وربما الذوبان والتكون كما تفعل بعض الكائنات الحية كالحرباء مثلا.
لمواجهة هذه الظاهرة التي تتناسل فيها التنظيمات الارهابية وتتحالف، يمكن التفكير فقط بإشهار نسخة من «الاسلام» المعتدل التي تتكفل بالرد على «الخرافات» الدينية التي تستند اليها هذه التنظيمات، كما لا بد من اصلاح الظروف التي انتجت هذه الظاهرة، سواءً أكانت داخل عالمنا العربي ، او اصلاح علاقاتنا مع العالم،و لابد أن يقتنع العالم الذي أصبح في مرمى نيران هذه التنظيمات أنه جزء من المشكلة، وان تجاوزه لها يعتمد على إعادة النظر في رؤيته ومواقفه لهذه المنطقة، بكل ما فيها من اديان وسكان وقضايا وأزمات.
إذا لم يحدث ذلك فإن «الدواعش» الذين اشهرنا «وفاتهم»، سيسلمون الراية من جديد الى «أمهم» القاعدة، وبالتالي فان هذه التنظيمات التي تتقن الاختفاء والظهور ستلد «عفاريت» جديدة، ربما نراها او لا نراها، لكننا بالتأكيد سنعاني من خبطاتها وضرباتها، وسنظل ندفع ثمن مفاجآتها لنا وللعالم في كل مكان.
الدستور