إذا ما حاولنا رصد حالة التراجع في كفاءة الأداء الحكومي على مدى عقد أو أكثر يمكننا التوقف عند النقطة الجوهرية التي غالباً ما تتحدث عنها النخب السياسية ألا وهي طريقة تشكيل الحكومات واختيار الوزراء ومدى كفاءتهم، صحيح إن جلالة الملك هو رئيس السلطة التنفيذية وفقاً للفصل الثالث المادة 25 من الدستور والتي تقول (تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام هذا الدستور)، غير أن الملك ووفقا للمادة 30 من الفصل الرابع من الدستور مصون ومحصن (الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية)، وإشارتي هنا إلى هذه النقطة بالذات بقصد إزلة اللبس والفهم الخاطئ الذي انتشر بين الناس والذي يعتبر نقد الحكومة أو الحكومات هو بمثابة نقد للملك على اعتبار أن الملك هو رئيس السلطة التنفيذية، فالحكومات غير محصنة ورئيس الحكومة والوزراء يستمدون شرعيتهم من خلال الإرادة الملكية التي تصدر عند تعيينهم ومن ثقة مجلس النواب الذي يمثل الشعب.
وبالعودة إلى مسألة تشكيل الحكومات والعيوب التي تعتريها نلمس وبوضوح غياب «الوزير السياسي» أو «الوزراء السياسيين» القادمين من خلفية سياسية عن أغلب الحكومات والذين حل ويحل بدلاً منهم أما وزراء تكنوقراط بالمعنى الحقيقي للكلمة وهم قلة، أو وزراء «الشلة» وأقصد بالشلة هنا هي مجموعة الأصدقاء أو المعارف الذين تجمعهم مصالح اقتصادية واحدة أو طبقة اجتماعية واحدة، وأعتقد أن هذا الأمر ليس معيباً من الناحية الاجتماعية ولكنه مرفوض سياسياً، وسببه غياب الأحزاب وضعف الحياة الحزبية التي كان من المفترض أن تكون هي الرافد الأساسي لرفد الحكومات المتعاقبة بالوزراء وبخاصة في بلد مثل الأردن كل ما فيه تحكمه السياسة وقوانينها بحكم تكوينه التاريخي وبحكم واقعه الجيو سياسي.
وعندما انتقد الدكتور ممدوح العبادي سوية بعض وزراء الحكومة الحالية كان يقصد أن بعض الوزراء في هذه الحكومة وغيرها يدخلون التشكيلة الحكومية من خلال روافع لا علاقة لها بالعمل العام وإنما تصنعهم الصدفة، وبالتالي هم غير معروفين في المجتمع، ومنهم من يدخل الوزارة ويخرج منها ولا يعلق اسمه في ذهن الكثير من النخب أو الناشطين في المجتمع، وهذا أمر ساهم ويساهم في نزع الهيبة عن الحكومة ويجعلها في نظر المراقبين أقرب ما تكون إلى حكومة» موظفين» منها للحكومة السياسية السيادية.
تاريخياً كان الوزراء في الأردن ياتون من خلفية سياسية معينة وكثير منهم كانوا من المعارضين، وهناك وزراء تتلمذوا في مدرسة العمل العام أو العمل الحكومي أو نتاج المؤسسة العسكرية أو الأمنية، وفي كل الحالات تعلموا فن الإدارة العامة ونجحوا فيه، أما النمط الجديد من وزراء «الشركات الكبرى» أو وزراء «البزنسس» فقد ساهم البعض منهم في إضعاف الولاية العامة وذلك بسبب عجزهم عن التمييز بين إدارة الوزارة أو الشركة أو البنك.
سيبقى موضوع تشكيل الحكومات قضية خلافية تستدرج الاجتهاد والأفكار الخلاقة لتجاوز تجربة «وزراء الشلة» أو «وزراء الصدفة» ورؤساء الحكومات الذين يستسهلون اختيار أعضاء حكوماتهم لأنهم هم أنفسهم لم «تعجنهم» التجربة ويفتقدون للخبرة وحنكة الحكم.
Rajatalab5@gmail.com
الرأي