facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




التربية والعنصرية


م. أشرف غسان مقطش
10-03-2019 01:29 PM

أول كتاب قرأته في حياتي، كان قصة مصورة للأطفال. كان ذلك مع بداية عطلة المدرسة الصيفية بعد إنتهاء الامتحانات المدرسية إذ كان عمري آنذاك ثمانية أعوام.

والكتاب طلبت من والدتي أن تحضره لي من مكتبة المدرسة التي كانت تعمل بها كمعلمة لمادة اللغة الإنجليزية.

الكتاب عنوانه "صلاح الدين الأيوبي".

والبداية التي دفعتني لاختيار هذا الكتاب كانت مع درس عنوانه إما "معركة حطين" أو "صلاح الدين الأيوبي"، لست بقادر على التذكر صدقا، وذلك في منهاج اللغة العربية للصف الثاني الإبتدائي لوزارة التربية والتعليم الأردنية. كان ذلك عام 1987،

"إقرأ الدرس يا أشرف". والدي بنبرة حماسية يقول لي. بدأت أقرأ الدرس، وإذا نصبت الفاعل أثناء القراءة سهوا مثلا لا حصرا، كان والدي ينبهني إلى أن "الفاعل" يجب أن يكون مرفوعا، ويشرح لي درسا عن قواعد رفع "الفاعل"، ثم أتابع قراءة الدرس، على نفس الوتيرة في حال أخطأت في تشكيل آخر الكلمة.

ويعدما أنهيت قراءة الدرس، طوى والدي الكتاب المدرسي، وأخذني على بساط الريح المنسوج من أسلوبه القصصي الجذاب في رحلة شيقة إلى معركة حطين، وتحدث بفخر واعتزاز عن صلاح الدين الأيوبي كقائد تاريخي حرر القدس من الصليبيين.

جعل والدي من الدرس حكاية حكواتي إستمتعت بكل تفاصيلها. وفي نهاية الحكاية شدد لي والدي على أن فلسطين أرض عربية إحتلها العدو الصهيوني بالقوة بعدما شرد أهلها عنوة.

"لا تنسى ذلك يا أشرف، ماشي؟" قال لي والدي بنغمة وصائية؛ فأجبته على سجيتي وأنا طفل لا أدري شيئا مما وراء كواليس وصية أبي: "ماشي".

وفي العام التالي، حينما كنت في الصف الثالث الإبتدائي، وضمن فعاليات نشاط مدرسي، في مدرسة سيدة الجبل الأساسية المختلطة، في عنجرة، ألقيت قصيدة عن ثوار الحجارة، إذ كانت الإنتفاضة الفلسطينية الأولى قد إندلعت لأجل تحرير الأرض ممن "إغتصبها قوة بعدما شرد أهلها عنوة" .

القصيدة إختارها لي والدي بنفسه من إحدى صفحات صحيفة الرأي إذا ما خانتني ذاكرتي. أملاها علي كلمة كلمة. وطلب مني قراءتها أمامه، ولما وجدني أقرأها قراءة عادية، أشار علي بأن ألقيها كما يلقي الشعراء قصائدهم، فألقيتها أمامه والإبتسامة تغمر محياه، والفرح والسرور يتلألآن في عينيه.

هكذا كانت تربيتي التي أضحت تميمة لي أتجاوز بها كل حاجز عنصري أواجهه في حياتي. والتي أمست لي الملجأ المحصن الذي كنت ألتجئ إليه بنفسي كلما حاولت ضباع العنصرية أن تبضعها.

لا أنكر أنني سقطت مرات عديدة في فخاخ العنصرية لإتباعي إغواء المجاملة وانسياقي وراء أهواء المسايرة، إلا أن تربيتي كانت تقف لي بالمرصاد في كل مرة بسوطها القومي فتجلدني جلدات ضميرية ما أشد وجعها حينما تهمس في أذني كلمات والدي: "فلسطين أرض عربية إحتلها العدو الصهيوني بالقوة، بعدما شرد أهلها عنوة. لا تنسى ذلك يا أشرف، ماشي؟".

وهذه التربية هي التي خلتني أصفق للمارد الأخضر حينما سجل هدفه الأول في مرمى النسر الأزرق في الشوط الأول، وهي عينها التي خلتني أصفق للنسر الأزرق حينما سجل هدفيه الأول والثاني في مرمى المارد الأخضر في الشوط الثاني من مباراة الفريقين يوم الخميس الماضي.

والتربية هذه هي التي جعلتني أختار صورة ألتقطت في نهاية المباراة للاعبين من المارد الأخضر والنسر الأزرق وهما يتعانقان كصورة رئيسية لجداريتي الفيسبوكية.

وأجمل ما في الصورة، مكان الكرة! حيث كانت وراء ظهر لاعب الوحدات، وكأن المصور أراد إيصال رسالة هادفة لكل من رأى الصورة: "لاعبو الوحدات وضعوا كل شيء وراء ظهرهم رغم الخسارة، وتعانقوا مع لا عبي الفيصلي في نهاية المباراة".

والتربية هذه أوحت لي بفكرة تصميم شماغ ألوانه ثلاثة: الأسود، والأحمر، والأبيض. لكي أوزعه على الجماهير التي تؤم أي ملعب يحتضن لقاء الفريقين كأصدق تعبير رمزي عن "واحد ثنين... شاعب واحد مش شعبين".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :