نشرب الكبريت ونبتهل للحكومة
د.مهند مبيضين
29-08-2009 06:06 PM
يعاني سكان تجمع قرى العمر والحمايده في قضاء الموجب من ارتفاع نسبة الكبريت في الماء بما يسبب لهم أمراض في الكلى والأمعاء والكبد وفي الأسنان التي سقطت وتلفت عند نسبة كبيرة منهم.
الأزمة هناك حملتها النائب ثروت العمر إلى المسئولين، وحاولت بشكل جاد أن تصل بالمسئول إلى درجة من الإحساس بان ثمة مواطنون يشربون الكبريت مع الماء لكن لا جدوى لحد الآن لذلك السعي، وقد تكون أحدثت حلول مؤقتة بحفر بئر هنا أو هناك.
يوم حاول رئيس الحكومة تجاوز عقدة التواصل مع الأطراف –وهي العقدة التي ما زالت ماثلة- وصل لمنطقة الموجب والتقى السكان، حينها طرحت مشكلة "المياه المكبرته" عليه فوعد بحلها خلال شهر من زياراته، طارحا مبادرة يومها تسهم الرئاسة فيها بمبلغ ستمائة ألف دينار ووزارة التخطيط بمبلغ خمسمائة ألف دينار لإقامة خزان مائي جديد، إلا أن شيئا من ذلك الوعد لم يتحقق.
الرئيس يومها قال:"أنه لا يمكن أن نقبل أن يشرب أبناؤنا وأطفالنا الكبريت.." وشدد في تلك الزيارة عن أن تواصله مع الناس "ليس من باب المجاملة". ومع ذلك اليوم وعلى أرض الواقع ليس من جديد هناك إلا مزيد من الكبريت في الماء بنسب عاليه الذي يهلك الحرث والنسل.
هذه الواقعية تذكر بان مصير أزمة قرى العمر والحمايدة قد تلقى مصير قرية الطيبة، فالمزيد من التجاهل كان سبب بطئ تنفيذ الحلول، فمحافظ الكرك كان قد خاطب المسئولين قبل ستة أشهر من مشكلة الطيبة، بيد أن الفارق في قضية الكبريت في مياه قرى العمر والحمايدة أن الرئيس تبنى حلها مباشرة، وليس وزير أو متصرف.
في تلك القرى الأجواء متوترة، والناس إن صبروا لشهر أو عام بانتظار تحقيق وعد الرئس فإنهم لا يصبرون للأبد، وما التوتر اليومي الذي تشهده هناك ويتمظهر في صورة عنف ظاهرة صدامات عائلية أو خلافات مع الشرطة، إلا أن أحد تجليات ذلك التجاهل المرعب الذي يعيه الناس ونتائجه تبدو ماثلة في صحتهم وإن استمرت فساعتها لن ينفع الدرك لاستدراك الأخطاء ومنع العنف.
نُخب عمان بعضها يبدو أنه لا يعبأ بما يجري بالأطراف بقدر ما تعبأ بمصير الرئيس، فصالوناتها مشغولة بسجال ابتهالي في مصير الحكومة غدا محصورا بين التعديل، والتعديل الموسع وإعادة التشكيل، وغدا انجاز الرئيس في الفرح بآراء للبعض تبنت الذود عن حكومته في مواجهة مصير المغادرة، ومع أننا ندرك أن الحكومة لا تملك حلولا سحرية، لكننا لا نحب أن تنكص عن وعدوها بدون سعي مقنع لحل المشاكل.
أهدتنا الحكومة ما لا تنجزه أي حكومة، جعلت الملك يتدخل لحسم أكثر من قضية فشلت فيها، وأنجزت عجزا بقيمة تسعمائة مليون وتحضر للاقتراض من البنك الدولي ، ورفعت أسعار الكهرباء وفقدت السيطرة على الأسواق، وإذ كنا نقول أنها مثقلة بوزراء بعينهم في الخدمات فإنها اليوم تفتقد لرؤية وفريق اقتصادي يستطيع ان يوفر موارد للخزينة أو يدير تدعايات الأزمة المالية العالمية باقتدار.
خلاصة الحال، في قضاء الموجب - قرى العمر والحمايدة- نحن اليوم أمام إخفاق الرئيس في تحقيق ما وعد به وهو ما لا نحبه له، وعليه فإن نقد الحكومة ليس جراء بطالة نخب، بل من واقع الشارع، وما يجري من توتر في المحافظات ما هو نتيجة للفشل في التنمية والفقر وعجز الحكومات عن تلبية مطالب الناس والتواصل معهم بما يليق بهم والصدق معهم، وبالتالي فإن الإخفاق اليوم اقتصاديا وخدماتياً لم يعد عبئا على الحكومة بل على الوطن وأمنه المجتمعي.
Mohannad.amuaidin@alghad.jo