كل مرة تلعب هذه الحكومة، مثل سابقاتها، لعبة التذاكي على الناس، وآخر الألعاب هنا، ما يتعلق بفرض ضريبة مقطوعة على البنزين، بذريعة حماية المواطن من ارتفاع الأسعار.
الضريبة المقطوعة على البنزين، تعني فرض ضريبة ثابتة على اللتر، بحيث تضمن الحكومة تدفق وارداتها المالية إلى الخزينة، ضمن السقف المطلوب، وبحيث يبقى السقف ثابتا، حتى لو ارتفع سعر النفط دوليا، بحيث لا يتضرر المواطن، من هذا الارتفاع، وبحيث تحصل الحكومة على المال، دون أي تغيير في حال انخفض سعر النفط، وهذا كلام جميل.
غير أن للقصة وجها آخر، إذ أن الحكومة تريد بيع القرار باعتبار أن استبدال بعض الضرائب بضريبة مقطوعة على البنزين، يحمي المواطن، كونه لن يؤدي إلى ارتفاع السعر في حالات ارتفاع السعر الدولي، لكن الحكومة لا تتحدث عن عدالة هذه الضريبة في حال انخفض سعر النفط، وهذا يعني أن الضريبة ستبقى كما هي ولن يستفيد المواطن من أي انخفاض عالمي في السعر، وهنا العقدة الخفية في كل هذه القصة الجديدة التي تستعد الحكومة لها.
كيف ستحسب الحكومة هذه الضريبة، خصوصا، ان المؤشرات تقول انها سوف تستند إلى سعر مرتفع للنفط لحساب الضريبة المقطوعة على أساسه، ولن تحسبها على أساس سعر منخفض، أو متوسط، أو حتى متوسط السعر خلال عام فائت، أو خمسة أعوام مثلا؟!.
لقد أعلنت الحكومة مرارا انها لن تفرض ضرائب جديدة هذا العام، لكنها تعود الينا بقصة الضريبة المقطوعة، وسوف نكتشف لاحقا، انها لن تكون عادلة، من حيث نسبتها، ولا من حيث أسس احتسابها، ومن حيث تسببها بارتفاع أسعار البنزين في السوق.
الحكومة الحالية، وسابقاتها، باعت علينا آلية التسعير الشهري، بمعنى رفع السعر وخفضه، وعلى ما يبدو نحن أمام واقع جديد، قد يستند إلى مؤشرات سياسية واقتصادية، تتعلق بقرب انخفاض سعر النفط في العالم، وتحوطا من نقص الواردات المالية الى الخزينة التي تقدر ما بين مليار ونصف المليار، وملياري دولار، تريد الحكومة استباق هذا الوضع، بفرض هذه الضريبة، إدراكا منها ان السعر العالمي، في طريقه إلى الانخفاض، فيما الخاسر الوحيد هو المواطن الذي لن يستفيد قرشا واحدا، من أي انخفاضات تتعلق بسعر النفط في الأسواق العالمية.
هناك شبهات حول هذا التوجه، وهي شبهات بمعنى الدوافع الحقيقية للقرار، إذ لا يمكن أن يصدق أحد أن الهدف هو حماية المواطن في حال ارتفاع سعر النفط، وإن كان ذلك أمرا واقعا في حال تطبيق الضريبة المقطوعة، وعلى الأغلب فان مخاوف الحكومة تتعلق باحتمالات انخفاض سعر النفط في الأسواق، بما يؤدي إلى تراجع واردات الخزينة المالية.
هذا التوجه سيحال الى مجلس النواب، ومنذ اليوم، لن يقف النواب ضد القرار، إذ مرت تجارب كثيرة، شبعنا فيها صراخا وعويلا ونقدا وجمعا للتواقيع على المذكرات، لكن القرارات الكبرى كانت تمر، بكل سهولة، نهاية المطاف، دون ان يوقف أحد هذه الحكومة، أو غيرها، عن هكذا قرارات، لها آثار اقتصادية على بقية القطاعات في الأردن التي تعاني من أزمات.
نريد أن نسمع اراء الاقتصاديين والخبراء، في ملف الضريبة المقطوعة، التي بدأ تسريب المعلومات حولها، حتى لا يصحو الناس، وقد طرقت رؤوسهم ضريبة تبدو في ظاهرها لمصلحتهم فيما باطنها ضدهم بما تعنيه الكلمة هذه الأيام، وهو ملف حساس جدا، كونه أيضا، يدار بعيدا عن الجمهور، وفي الغرف المغلقة، وسوف تتم مباغتة الناس به في أي لحظة.
التشكيك في دوافع أي حكومة، بشأن قرارتها، ليس دليلا على السلبية او السوداوية، بل جاء نتيجة طبيعية لكل ما فعلته الحكومات خلال السنين الفائتة، وهذا يفسر أيضا، غياب الثقة، وعدم قدرة أي حكومة حتى الآن على ترميم الصلات بينها وبين الناس، الذين يحملون اثقالا فوق اثقالهم، دون أن يجدوا مخرجا للنجاة حتى الآن، في هذا البلد.
الغد