ابوهلالة : "الإنسانية" في خدمة السياسة .. مشعل في عمان
29-08-2009 12:08 AM
عندما نجحت دبلوماسية الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله في إنقاذ حياة خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس. استقبله في الديوان الملكي بصحبة والده الشيخ عبدالرحيم عبدالقادر مشعل. وركز في اللقاء على المعاني الإنسانية مغيبا الأبعاد السياسية الكبرى التي هزت المنطقة إثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي نفذها عملاء الموساد في 29-9-1997.
وهو ما سبق أن فعله عندما نجحت جهوده في الإفراج عن موسى أبو مرزوق رئيس المكتب السياسي السابق للحركة الذي أفرج عنه من سجون الولايات المتحدة في العام نفسه. استقبله يومها مع زوجته وأطفاله, في الاستقبال رفضت طفلة موسى مصافحة الملك عندما مد يده ، جلس بمحاذاتها وقال لماذا لا تصافحيني؟ قالت الطفلة التي درست في المدارس الأميركية إنك دعوتنا عائلة ولم تحضر عائلتك الملكة والأميرات. تبسم وقال أنه لم ينتبه لذلك وفي المرة المقبلة سيحضرهم ومد يده مجددا فصافحته!
ويصعب حصر عشرات القصص الإنسانية في سياسة الملك الراحل. وهو من الحكام القلائل الذين سخروا البعد الإنساني لخدمة السياسة. دون أن يقلل منه. أخبرني علي شكري مدير المكتب الخاص للملك الراحل أنه كان دائم الإطمئنان على صحة أبو خالد وكان يكلفه بذلك . بالأمس رحل الشيخ عن تسعين عاما, وكرر الملك عبدالله الثاني سيرة والده عندما حسم الجدال السياسي لصالح الإنساني وسمح لأبي الوليد بالمشاركة في تشييع والده وتقبل العزاء بوفاته.
مع تأكيد المسؤولين الأردنيين عند سؤالهم على نفي أي أبعاد سياسية إلا أن الزيارة تظل حدثا. فهي تصادف مرور عشر سنوات على إغلاق مكاتب حركة حماس في عمان ( 30 -8-1999)وخلال عقد تبدلت الأرض غير الأرض . فخالد مشعل لم يعد على وصف الملك الراحل "ابننا" الذي يستقبل مع والده بعد إحباط محاولة الاغتيال. تكرس من يومها زعيما للحركة وواحدا من قادة الشعب الفلسطيني ، ولم تعد عمان قادرة على غض الطرف عن وجوده رجل أعمال في شركة في شارع وصفي التل.
تدرك الحركة أنها لا تستطيع العودة إلى تلك الأيام التي كانت فيها عمان مقرا لمكتبها السياسي الذي يقود الحركة فعلا وليس مجرد " نشاط إعلامي " كما كان يقال أيامها. ومهما ساءت العلاقات على مستوى رسمي فإن الأردن والحركة الفلسطينية يدركان أن حقائق التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا تتجاوز العلاقة السياسية مدا وجزرا. وسيظل خيط يربط بين الحركة والأردن لا ينقطع.
في الساعات الأولى من الوفاة كنت أخشى أن يعلو صوت متوتر يقول لا داعي لحضور مشعل، ولن يعدم مبررات للتحريض على الحركة. لكن في اتصال مع قيادي في الحركة قال وقبل أن تحصل الموافقة " في المواقف الإنسانية لم يخذلنا الأردن يوما مهما اختلفنا في السياسة ".
يظل العزاء إنسانيا إلا أن من الواجب أن يستخدم سياسيا . فلا بد من إيصال الرسائل التي تؤكد معاني الوحدة الوطنية ، ودعم الشعب الفلسطيني المرابط المصابر ، وتشجيع الحوار الفلسطيني سعيا لإنهاء الانقسام.ولا بد من تطوير العلاقة مع الحركة بدلا من أن تظل محصورة بالقناة المصرية .
وتظل الوفاة تجسيدا لمأساة شعب فلسطين فالشيخ شارك في ثورة القسام وقاتل مع عبدالقادر الحسيني وانضم لصفوف الإخوان المسلمين. يدفن في جبال صويلح المطلة على فلسطين دون أن يراها ، وهو فوق ذلك هو وأولاده مواطنون أردنيون يتمسكون بحق العودة ويقاتلون دونه.
عن الغد.