هل صحيح انه لا يوجد دين غير الإسلام؟
حسين الرواشدة
08-03-2019 12:08 AM
بعض المسلمين يعتقد ذلك، لكن الحقيقة تبدو غير ذلك تماما، فهنالك - كما يقول الدكتور القرضاوي مثلا - اديان اخرى يؤمن بها اصحابها، حتى دين المشركين الوثنيين فالله تعالى قال لهم على لسان رسوله «لكم دينكم ولي دين».
لا مانع - بالطبع - ان يعتقد المسلم ان دينه هو الحق، وان يعتز به الى اقصى حد، لكن لا بد ايضا ان يعترف بالاديان الاخرى، وهكذا فعل الاسلام حين استوعب كل الاديان وتعامل مع اتباعها كما يتعامل مع المسلمين «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، بل وان من عجائب التسامح (السماحة : ادق) الاسلامي - كما يقول القرضاوي ايضا - انه لا يجبر الانسان على ان يترك مباحا في دينه، وهو محرم عند المسلمين، ليجامل المسلمين بتركه، بمعنى انه لا يجوز للمسلم ان يرغم غيره من غير المسلمين على ان يترك اكل لحم الخنزير وشرب الخمر مثلا، لانه لا يوجد في الدين الاسلامي اي نص يمنع غير المسلمين ان يمارسوا قناعاتهم بحرية (مع انها مباحة في دينهم وليست واجبا عليهم.) حتى ان من اراق خمرا لذمي يغرم قيمتها، وفق ما قاله الامام ابي حنيفة واصحابه، على الرغم انها في نظر المسلمين ام الخبائث ورجس من عمل الشيطان. والشرط الوحيد هنا هو ان لا تشكل هذه الممارسات حين تخرج للعلن اي مساس بامن المجتمع واستقراره.
هذا جانب بسيط من موقف الاسلام من الاخر في اطار التعددية التي اقرها كركيزة وحقيقة ثابتة الى جانب حقيقة الوحدانية، والتعددية هنا تفترض الاختلاف في الدين والمذهب والجنس واللغة والثقافة بين البشر، وتدرب المسلم على ضرورة الاعتراف بأن الكون لم يخلق له لذاته، وان عليه ان يتعايش مع غيره، وان لا يندفع الى خوفهم او اقصائهم بأي وسيلة كانت، فهم مثله لهم الحق في الحياة والتفكير.. الخ، وهو بالتالي ليس «الها» ليحاكمهم او ليقرر طريقة تفكيرهم.. فحساب الناس مركون الى الله تعالى «الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون» واحترام آدمية الانسان - اي انسان - مقصد اساسي للشريعة، والانصاف والعدل مع البشر اساس الدعوة ايضا.
نعم نفتقد اليوم لثقافة التسامح، ونظن ان ما نعانيه من افتراق وشرذمة سببه تعددية المذاهب او الثقافات التي اقرها الاسلام لدرجة ان البعض يدعو الى «اسلام واحد بلا مذاهب»، ولكن من يعرف تجربة المسلمين وقبلها حقيقة الاسلام يدرك ان المشكلة ليست في المذاهب التي اثرت الفكر الاسلامي وصنعت الوحدة الاسلامية، ولكن في فهمنا للاسلام، وفي ممارساتنا لشريعتنا، وفي انجرارنا خلف صراعات المذاهب السياسية التي اعتدت على فقهنا وقيمنا وديننا ايضا.
المسلمون اليوم بحاجة الى تعميم ثقافة التسامح التي تضمنتها مذاهب الاسلام على اختلافها، والى استنكار التقليد والعصبية والقداسة.. سواء أكانت في ميدان الفقه او في ميدان السياسة وغيرها من ميادين الحياة.
الدستور