هل تنتهي سطوة المدرسة القطبية على أوساط إخوانية بإعلان القرضاوي "خروج" أفكارها على أهل السنة والجماعة؟
د. محمد أبو رمان
28-08-2009 06:04 PM
عمون - الغد - محمد أبو رمان - "يا شهيداً رفع الله به جبهة الحق على طول المدى.. قد علّمتنا يا شهيد بسمة المؤمن في وجه الردى".. هذه الأبيات تختزن الإيحاءات الوجدانية التي تعكسها صورة سيد قطب، وهو يبتسم، لدى إعلان حكم الإعدام بحقه في الحقبة الناصرية. فبقيت هذه الأبيات نشيداً يردده آلاف الإخوان المسلمين خلال العقود الأخيرة.
يمثل سيد قطب علماً من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر، ممن عبرت كتاباتهم وأفكارهم إلى عقول شريحة واسعة جداً من أبناء الحركات والجماعات الإسلامية.
وبالرغم من انتمائه إلى جماعة الإخوان في بداية الخمسينات، فإنّ أفكار قطب وأدبياته بقيت عابرة للحركات والجماعات الإسلامية، ولم تقتصر على أبناء جماعة الإخوان المسلمين.
أما "الإخوان" فانقسموا بين مدرستين وتيارين، الأول بقي وفياً لسيد قطب وميراثه وتصوراته التي تدور حول تكفير الحكومات العربية المعاصرة، وتضليلها، ووسم الحال الراهنة بالجاهلية، أما التيار الآخر، فقد وجد أنّ قطب أبعد النجعة عن مدرسة الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وأنّ فكره هو رهين لحظة التعذيب والسجون والابتلاءات التي منيت بها الجماعة بمصر، بصورة خاصة في المرحلة الناصرية، ويسمون أراءه بـ"فكر المحنة"، وهو فكر فيه مظنة التطرف والتشدد والبعد عن الاعتدال.
في السنوات الأخيرة، خطت جماعة الإخوان المسلمين خطوات أوسع بعيداً عن "معالم في الطريق" لسيد قطب، الذي أودى به إلى المشنقة في العام (1966)، ملتحقاً بقيادات إخوانية وعشرات من رفاقه، فقد تبنت الجماعة مبادرات تؤكد فيها إيمانها بالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، وهي أفكار تغاير بصورة كاملة مدرسة سيد قطب.
مع ذلك، بقيت هنالك حميمية روحية وفكرية بين تيار واسع في الجماعة وبين قطب، إلى حين صدور آراء الدكتور يوسف القرضاوي، مؤخراً، والتي يرى فيها أنّ قطب قد خرج على "أهل السنة والجماعة" في أفكاره، وأن مآل ما كتبه يذهب إلى تكفير المجتمعات المسلمة اليوم، وهو مما يتجاوز مخالفة فكر الإخوان إلى الخروج على قواعد أهل السنة والجماعة.
خطورة ما قاله القرضاوي تكمن في جانبين، الأول ما يتمتع به الرجل من نفوذ واسع وحضور لدى الأوساط الإخوانية، فهو بهذا الرأي يحكم على فكر قطب بالإعدام لدى شريحة واسعة في الحركة الإسلامية، والجانب الثاني أنّ القرضاوي تجاوز اللغة المجاملة والخجولة التي يتعامل فيها الإخوان مع فكر قطب، والتي تضع الاختلاف في سياق من الود والمواربة في النقد، فالقرضاوي خرج على مسار الانتقادات السابقة وأعلن جهاراً نهاراً أن سيد قطب خرج بأفكاره على أهل السنة والجماعة، ملمحاً إلى اقتراب الأخير من أفكار الجهاديين والخوارج.
هذه الشهادة للقرضاوي عن سيد قطب برزت بوضوح في حواره مع ضياء رشوان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في برنامجه "منابر ومدافع" (الذي تبثه فضائية "الفراعين" المصرية)، وحرره الزميل السيد زايد (من موقع إسلام أون لاين)، كما يأتي..
---------------------------
من الاعتدال إلى التفكير
قال القرضاوي إن سيد قطب انتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية الخمسينيات من القرن العشرين، وإن انضمامه للإخوان جاء بناء على رغبته واقتناعه بالجماعة، مشيرا إلى أن التغير في أفكار قطب من الاعتدال إلى التكفير ظهر في كتاباته المتأخرة، خاصة تفسيره الشهير "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق"، ومؤكدا أن هذا التغيير يظهر بصورة واضحة عند المقارنة بين الطبعة الأولى من الظلال والثانية، حيث بدأ يتحدث في الثانية عن "الحاكمية" و"الجاهلية".
وأكد أن ما كتبه قطب من أفكار خلال المرحلة الأخيرة من حياته يؤكد "خروجه عن أهل السنة والجماعة بوجه ما، فأهل السنة والجماعة يقتصدون في عملية التكفير حتى مع الخوارج"، قائلا إن أهل السنة لا يكفرون إلا "بقواطع تدل على أن الإنسان مرق من الدين الإسلامي تماما".
وأضاف: "أعتقد أن الأستاذ قطب في هذا الأمر بعد عن الصراط السوي لأهل السنة والجماعة"، مرجعا هذا البعد إلى عدة أسباب أهمها أن هذه الكتابات كتبت في السجن، فقد كان يرى أن الدولة من خلال تمكينها للشيوعيين بعدت عن الإسلام.
وعلى الرغم من هذا الخروج عن أهل السنة والجماعة يرى القرضاوي أن قطب لو قدر له أن يعيش ويخرج من السجن ويناقش الناس في أفكاره لكان تراجع عن الكثير منها كما تراجع أخوه محمد قطب الذي تخلى عن فكرة التكفير العام للمسلمين (أعدم سيد قطب في 29 أغسطس 1966 بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر).
قطب ومدرسة الإخوان
وردا على سؤال حول تصنيف سيد قطب وانتمائه إلى المدرسة الإخوانية من عدمه قال القرضاوي "إن سيد قطب كان من المعجبين بالإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وكتب عنه مقالته "حسن البنا وعبقرية البناء" معبرا فيها عن قدرات البنا التنظيمية في تأسيس الجماعة وتشكيل هياكلها التنظيمية".
لكن قطب لم ينقل عن فكر البنا -والكلام للقرضاوي- مثلما نقل عن الشيخ أبو الأعلى المودودي، فقد تأثر قطب بالمودودي كثيرا وأخذ عنه فكرة الحاكمية والجاهلية، ولكن قطب خرج في النهاية بنتائج عن تكفير المجتمع وجاهليته تختلف تماما عمل قاله المودودي.
وقال القرضاوي إنه لا غبار على الحاكمية فهي فكرة إسلامية أصيلة، وتعني أن تكون المرجعية للشريعة الإسلامية، وقد تحدث عنها الإمام أبو حامد الغزالي وغيره من علماء المسلمين.
أما "الجاهلية" فدلالتها تختلف عند قطب عما جاءت عليه في القرآن الكريم اختلافا كليا وجزئيا، حسبما يقول القرضاوي مستشهدا بما كتبه قطب نفسه في كتابه "معالم في الطريق"، والذي اعتبر فيه أن المجتمع بالأساس غير مسلم ومهمة المصلحين هي رد الناس أولا إلى العقيدة الإسلامية الصحيحة وأن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وأكد القرضاوي أن قطب أخطأ في قضية تكفير مجموع المسلمين وليس فقط الحكام والأنظمة، مشيرا إلى أن قطب يتحمل بعض المسؤولية عن تيار التكفير، فقد أخذ أفكار المودودي ورتب عليها نتائج لم تخطر على بال المودودي نفسه، وهذا أيضا ما فعله شكري مصطفى وغيره، حيث أخذ شكري أفكار قطب وخرج منها بنتائج لم تخطر على بال قطب، حيث اعتبر شكري أن جماعته "جماعة المسلمين" هم فقط المسلمون ومن دونهم فهم كفار.
"الجاهلية "ومحاكمة أفكار قطب
ونفى القرضاوي في الوقت ذاته أن تكون شهادته عن قطب هي افتئات على قطب، معتبرا أنها محاكمة للرجل من خلال كلامه والنصوص التي وردت في كتبه، وذلك ردا على ما قاله بعض الإخوان، مثل محمود عزت الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين، بأن الخطأ فيمن قرأ سيد قطب وليس فيما كتبه.
وقال القرضاوي إن الكلام الذي نقله عن قطب عن التكفير والجاهلية كلام واضح ولا يحتمل أي تأويل، مستشهدا في حديثه برواية للدكتور محمد عبد الله المهدي، والذي كان معتقلا عام 1965، حيث أكد له أن قطب اعترف أن الكتابات التي كتبها في المرحلة الأولى من حياته كـ "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، و"السلام العالمي والإسلام"، و"مشاهد القيامة في القرآن"، لا تمثل رأيه ومذهبه الجديد، ولكن ما يذهب إليه ويتبناه هي ما كتبه في كتبه الأخيرة في السجن مثل "معالم في الطريق" والطبعة الثانية من "الظلال" و"هذا الدين" و"الإسلام ومشكلات الحضارة".
وفي النقاش الذي جرى في السجن يعترف قطب بأن له منهجين؛ قديما وجديدا تماما كالإمام الشافعي، لكن الشافعي غيّر في الفروع أما هو-قطب- فقد غير في الأصول، أي في أصول العقيدة، وهذه هي الإشكالية، حسبما يتحدث القرضاوي.
وقال القرضاوي إن الذي يتأمل كتابات قطب لا يشك في أنه تجاوز في مسألة التكفير، مؤكدا أن منهج قطب ليس هو منهج الإخوان المسلمين الذي وضع الإمام البنا أسسه في "الأصول العشرين"، وأشار إلى أن قطب لم يعش داخل الجماعة ولم يترب "على حصيرها"، فقد كانت فترة وجوده في صفوف الجماعة قليلة وما لبث أن دخل السجن، وفي السجن ظهرت التغيرات والمؤثرات الهائلة على أفكاره.
واعتبر القرضاوي أن المهم الآن ليس هو نسب سيد قطب لجماعة الإخوان أو غيرهم، ولكن المهم هو أفكاره، قائلا: نحن نحاكم أفكارا.. والذي يتحمل مسؤولية هذه الأفكار هو صاحبها وليس الإخوان.. وأنا أرى أن هذه الأفكار لا توافق فكر الإخوان المسلمين، لأن فكر الإخوان ليس فيه تكفير".
إخواني أم جهادي أم سلفي؟
وعن السبب في التنازع على أفكار قطب بين كل من الإخوان المسلمين والسلفيين والجهاديين قال القرضاوي إن هذا يعود إلى أن فكر قطب يمثل مجالا ثريا يأخذ الجهاديون ويستفيدون منه، كما أن السلفيين يأخذون من أفكاره لكن لا يرونه سلفيا لأنه كان حليق اللحية، والإخوان أيضا يستفيدون من أفكاره، مؤكدا أنه ما يزال يقرأ كتابات سيد قطب ويأخذ منها ما يفيده، وذلك نظرا لأهميتها وصدق صاحبها في كتاباته.
وحذر القرضاوي كل من يقرأ كتابات قطب من الوقوع في أسر أفكاره، خاصة أن صاحبها كاتب ومفكر عظيم كتب هذا الكلام في لحظات نقاء روحي وصدق مع النفس كما أن لديه من الموهبة في الكتابة ما يجذب القارئ ويؤثر فيه.
وفي النهاية أشار القرضاوي إلى أن هذه الشهادة واختلافه مع قطب فيما انتهى إليه من أفكار تكفيرية وأنها ليست على منهج أهل السنة والجماعة الذي ارتآه جمهور الأمة والإخوان المسلمين لا تمنعه من أن يقول إن هذا الرجل أديب عظيم بمقياس الإبداع في النقد الأدبي وداعية عظيم وعالم ومفكر عظيم، وهو أيضا مسلم عظيم يكتسب هذه العظمة ليس فقط من أفكاره، ولكن من خلال التضحية بنفسه وتقديم عنقه فداء لدعوته في سبيل الله.
عن (الغد)