وما ضرّني غريبٌ يجهلُني.. ما أقسى أن تعاشر أناساً على هيئة بشر ينتزعون منك الحياة! يحفرون عميقاً في نفسك ليستخرجوا أسوأ ما فيك، تجدهم فجأة مُخلصين لاحتياجهم لك فقط وبمجرد أن تتغير احتياجاتهم يتغير إخلاصهم لك، يستنزفون مبادئك وقيمك وإنسانيتك، ينكرون فضلك ويجحدون معروفك، الثرثرة عندهم معرفة والكذب عادة! حق الوفاء لا يليق بهم والتضحيات والإخلاص خسارات بهم،
واقع متخاذل وهذيان تختنق معه الحروف وتتبعثر فيه الكلمات، نتألم يا صاح من خيبات لا تنتهي.. ومن تخاذل لا يتوقف، من صرير كلمات تؤلمنا ومواقف تجرحنا... فأكتبُ حروفاً من أقاصي الذاكرة تنفطر لها القلوب قبل المشاعر معتذراً عن كل المراحل التي لم أستطع أن أعبر فيها عن شجاعتي... كلماتي ليست بالقوة اللازمة والشجاعة اللازمة... أبجدياتي تخاذلت عندما أردتها أن تتقدم، خذلتني الحروف وخذلتني المواقف والظروف فتاهت المواقف وانتكست الفرص وأنا أحاول ترميم أناس لم يزدهم دعائي إلا فرارا ...
أعتذر من كل المراحل التي قصرتُ في حقها مع نفسي...أعتذر كل تلك التفاصيل التي تمردتْ فيها طبيعتي على طبيعتي... واجتاحتني فيها المشاعر السلبية أعتذر عنها ... وأعي جيداً أن الاعتذار لا يكفي ... ولكن على الأقل ها هي أحرفي تضجُ بالبكاء على كل الأزمنة التي خُذلت فيها عن سابق إصرار وترصّد....
عاشق سيء الحظ، فاضت بالعَبرة عيناه، أضناه الحلم وأشقاه الألم، أثقلت كاهله الحيرة وتبعثرت خطاه في الطرقات، لا أحد يعبأ بوجعه يتعايش مع نفسه بصعوبة بالغة، رحل منه الاهتمام... فقرّر أن يكون صديقاً لنفسه فقط، رغم إدراكه أنها ستكون مرارة حقيقية، فلا يعاتبُ أحداً ولا يناقشُ أحداً، يتجاهل وليس بجاهل يتغاضى وليس بغضيض يكتفي بمسح المحادثة وإنهاء المكالمة،
براءة حمقاء خسرناها ونحن نتعامل مع أناس على هيئة كائنات حيّة ننثر عليهم زهور الودّ فيقابلوننا بالتذاكي والتخابث وسوء الظن يسدّون بها نقائصهم، ننثر الفأل فينشرون اليأس يعالجون به قنوطهم وأمراضهم المستعصية... مَنْ لي بمَنْ يُدرك معنى أن تجعلك بعض الظروف شخصًا لا يُشبهك، فلا يلومُك ولا يجعلك تأسف على حالك، بل يجعلك تُبصر أفضل ما فيك لتعثُر على نفسك مرةً أخرى...
بمقدوري يا صاح أن أقوم بتحويل أحزاني إلى قصيدة تشعُّ جمالاً بمساحات الألم وفضاءات النكران والجحود الذي ران على النفس سنين طويلة، قصيدة عصماء تتهادى على أوجاعي وتتماشى مع صعوبات الدرب، فيتعوّد قلبي من جديد على التخطّي والابتسام تحت مسمى كلُّ مرِّ سَيَمُر، ويألفُ القلبُ الرحيل ويتعوّد الغياب والانسحاب وليس الاستسلام ليقول لكلّ أفّاك أثيم: أنني صمدتُ طويلاً من أجل شيء لا يستحق، وأنه لم يعُد في العمر بقية لمزيد من الأشخاص الخطأ، وسأتخيّل قصة جديدة لحياتي وسأؤمن بها.
سلامًا على الذين إنْ خاننا التّعبير، لم يخُنهم الفهم! وإذا فسَدَت مفرداتُنا، أصلحوا نواياهم.