إذا كان لا بد من نص محكم في الجمعة فان مفردة التراث عامرة بما يليق بمهابة شهر كريم ومهابة جمعة ، وفرصة ان نعيد قراءة بعض الموروث في التراث والمأثور ، فقد استوقفتني رواية في المأثور الشعبي العربي تقول: ان آدم اخذ حفنة من حنطة الجنة ، وأن حواء أخذت مثلها ، ثم قام كل منهما ببذر ما أخذ من الحنطة في الارض ، فما زرع آدم أنتج حنطة ، وما زرعت حواء انتج شعيرا. وكانت حبة الحنطة عند نزولها من الجنة في حجم بيضة النعام ، ثم اخذ هذا الحجم يتناقص بحسب ايمان البشر. هذه الرواية تنطوي على خبرين منفصلين ، احدهما يتعلق بظهور الحنطة والشعير على وجه الارض ، والآخر يتعلق بحجم حبة الحنطة ، لكن قليلا من التأمل في الخبرين يكشف لنا عن حقيقة انهما لا ينطويان على معلومات صحيحة موثوق بصحتها ، وانهما لا يتعلقان بوقائع حقيقية. وبهذا يخرج الخبران من دائرة اليقينية الى نطاق المعرفة الادبية القابلة للتأويل وللقراءات المختلفة.
ولما كانت القراءة الحرة لهذه الرواية قد صارت مشروعة ، وصار التأويل حقا لكل قارئ ، فإنني اسمح لنفسي بمجاوزة الخبرين في دلالتهما المباشرة (التي لم تكن بأي حال هي السبب في ان استوقفتني هذه الرواية) والنظر فيما تنطوي عليه الرواية كلها من دلالات غامضة وأسرة في الوقت نفسه.
ان كلا من آدم وحواء قد اخذ حفنة من الحنطة نفسها ، وقام ببذرها في الارض ، ولكن النتيجة اختلفت. وإذا كانت المقدمات متفقة والنتائج المتولدة عنها مختلفة ، كان ذلك مثارا للعجب ، لما ينطوي عليه من مفارقة لا يستقيم معها التصور أو المنطق. ولكي تستقيم الامور في العقل لا بد من افتراض وسيط مختلف بين المقدمة والنتيجة ، يؤدي اختلاف النتيجة في الحالتين. وهذا الوسيط قد يؤول الى طبيعة الارض التي بذر فيها كل من آدم وحواء الحنطة ، فربما كان اختلاف ما في نوع التربة سببا في اختلاف نوعية المنتج منها. لكننا مضطرون الى استبعاد هذا الفرض ، لا لأن الرواية لم تشر اليه فحسب ، بل لأنه لا يصدق على مستوى التجريب. والوسيط المختلف الذي تعلن عنه الرواية اعلانا صريحا هو ادم وحواء نفساهما. فحين يبذر ادم الحنطة تنتج عنها حنطة ، وحين تبذر حواء الحنطة ينتج عنها شعير. الفعل هنا واحد ، ولكن الفاعل اختلف ، فاختلفت النتيجة. على ان اختلاف النتيجة لم يكن - في الرواية - مجرد اختلاف ، فالشعير لا يختلف عن الحنطة فحسب ، بل هو دونها في القيمة كذلك. وإذن فالاختلاف النوعي في المنتج هنا قد صحبه اختلاف في القيمة.
ترى بعد هذا هل نستغرب لماذا استأثر ادم بالحكمة رغم ان حواء اهدته تفاحتها؟ ولهذا احتكر ادم القرار وصار يقتل حواء تحت لافتتات متعددة آخرها لافتة الشرف؟.
omarkallab@yahoo.com