ارجو ان لا يسألني أحد عن «حالة» مجتمعنا، فهي أصعب مما نتصور، لكن إذا اضفنا اليها حالة «السياسة» ومن يقف وراءها، ثم ما نتج عنها من أزمات اقتصادية واجتماعية، فإن الصورة للاسف ستكون غير زاهية، وبالتالي فإن ما يفرزه المجتمع من ردود ستكون متساوية في القوة ومتعاكسة في الاتجاه مع ردود السياسة، اما النتيجة فمعروفة، واما الامنيات التي تتعلق بانتصار منطق الحكمة و الاستيعاب والفهم وعدم استخدام الردود الانفعالية فهي ما زالت مجرد آمال، ربما لا تتطابق مع الاحداث والوقائع، أو لا تتناسب مع التوقيت والظروف.
طبعا، يمكن لأحدنا ان يضع يده على قلبه خوفاً من سوء تقدير «الحسابات» ، سواءً من طرف المجتمع بسبب الإصابات الذي لحقت به ودفعته الى الانفعال ، او من طرف «المسؤولين» الذين ربما يخطئون في التعامل معه، لسبب او للآخر، كما يمكن لأحدنا ان يشعر بالخوف مما يراد لبلدنا ان يصل اليه، لا اتحدث هنا عن حسابات الإقليم ورماله المتحركة والعاصفة، ولا عن الاجندات التي يجري ترتيبها لاستنزاف اقطارنا العربية، وانما أيضا عن ملفات الداخل القابلة للانفجار، سواء في المجال الاقتصادي او الاجتماعي، التي لا يمكن –بالطبع- عزلها عما يحدث حولنا في المنطقة والعالم، لدرجة قد يبدو للمتابع انها جزء من «العملية» التي تتعلق بالمنطقة كلها، وببلدنا تحديداً، وكأن ثمة ممن يريد ان يوصلنا الى «نقطة» ما، ليس في مصلحتنا ان نصل اليها.
في السنوات الماضية –مثلا-جربنا في الشارع ان نرفع شعار «رحيل» الحكومات، وقد حصل ذلك لدرجة اننا شهدنا في عامين تشكيل أربع حكومات، فماذا كانت النتيجة؟ الان ثمة من يدعو الى حكومة جديدة ، هكذا بدون ان نعرف ماهي هذه الحكومة وبرنامجها والأشخاص المؤهلين لتولي المسؤولية فيها، وأخشى ما اخشاه ان النتيجة لن تكون أفضل من نتائجنا السابقة مع الحكومات التي جربناها.
لا اريد ان اتوقف امام الهواجس والمخاوف التي تتردد في صالونات النخب السياسية، وهي مشروعة ومحقة احيانا، كما انني لا املك اجابة واضحة او تقديرا للموقف السياسي العام في بلدنا، لكنني استطيع ان اقول : اننا لم نغادر بعد نقطة اللايقين السياسي لاسباب قد تبدو غير مفهومة احيانا، والاهم من ذلك ان ثقة الناس بمؤسساتهم ونخبهم تراجعت، فيما لا تزال الاخطار الداخلية (الاقتصادية تحديدا) تتصاعد، وفرص الامل والفرج تتضاءل.
السؤال هنا، ماذا نريد فعلاً، وما هي الوصفة الصحيحة للخروج من ازماتنا المختلفة، ومن هو المعني بتحديد هذه الوصفة، ومن اية صيدلية يمكن ان تصرف؟
يمكن ان اقول بشكل عام فيما يتعلق بالملف الداخلي الذي يشكل «مركزا» لحصانة الدولة وتمتين جدرانها لمواجهة اي خطر: اذا كنا نريد ان نسير على طريق السلامة يفترض أن نتعامل مع قضايانا وانجازاتنا بمنطق القناعات لا بمنطق الاحتفاءات، ويفترض أن نزنها بمكيال العدل لا بمكيال المزاج، واذا اتفقنا على ذلك فان الاصلاح المطلوب يفترض ان يكون مشروعا للتحديث لا مجرد محاولة للتحسين والتزيين وطلاء الجدران، ويجب ان يؤسس لمرحلة من التقويم والنقد والحراك المجتمعي لا للتسليم بالواقع والمحاصصة وتقليب المصالح والمواقع وفق المعادلات القائمة، وهو بذلك يحتاج الى مصلحين و سياسيين جدد ونخب حقيقية ومناهج وبرامج سياسية، والى قيم وطنية وسياسية واجتماعية تتجاوز ما ألفناه من قيم الشطارة واعراف البزنس ومقولات الجغرافيا واعتبارات المكافأة والترضية ومبررات تقديم اصحاب الحظوة على اصحاب الكفاءة.
نريد أن نصحح اخطاءنا، ونريد أن نخرج من معمعة الازمات التي أربكتنا، ونريد أن نعترف بأن تجربتنا التي مرّت كانت مليئة بصور القصور والتجاوزات، وبأن ما نفعله الآن هو جزء من التصحيح أو ترميم المشهد، لكن المهم ان يكون هذا التصحيح جدياً هذه المرة، وان يكون نابعاً من ايمانناً بحق الناس في الاصلاح لا لمجرد تطمينهم عليه.
الدستور