خرجت لدى حضوري مؤتمر لندن بإنطباعات جديدة عن مدى العمق الإستراتيجي والحنكة الإقتصادية التي يتمتع بها دولة الدكتور عمر الرزاز. فكان من الواضح لي حجم الجهد والتدبير الذي إدّخره الرزاز وفريقه الإقتصادي لكسب ثقة مجتمع المؤسسات المالية والصناديق المانحة الذين لا يمنحون هذا المستوى العالي من الثقة بسهولة وبدون لمس واقع إداري وتشريعي محبوك بعناية يجعلهم يثنوا بالمديح ويعلنوا ثقتهم بأداء الرجل و فريقه. ها نحن اليوم نرى هذه الثقة تُترجم بفيض من المنح والقروض الميسرة مقترنة بتوقعات موضوعية بالأثر الإيجابي على الإقتصاد الأردني وقناعة أن مؤشرات الأداء سيكون لها إنعكاس على شهية مجتمع الأعمال والقطاع الخاص الخارجي للإستثمار بقطاعات واعدة في الأردن و الإستفادة من الميزات به.
ومن خلال مراجعتي للإنطباعات التي توالت لدي منذ تكليف الرزاز بإدارة شؤون البلاد، ومن لمسي للإنطباعات العامة المتعاقبة التي تعكس رأي الشارع والنخب، فإنني لطالما أيقنت بوجود قصور في إدارة الملفات الآنية وتسيير الأعمال مقترنة بالأداء المتفاوت لوزراء الخدمات، و هم المعرضين أكثر لضغوطات الشارع و الأحداث السلبية المتوالية التي تجبرهم على إتباع سياسة ردات الفعل السريعة و التي غالباً قد تكون غير مدروسة أو محسوبة. و بهذا وصلت لقناعة ان الرزاز استثمر ما أتيح له من سلطة لإختيار فريقه بالتركيز على إختيار فريق اقتصادي متناغم، و قد يكون وضع بعض التنازلات لضغوطات المحسوبية و المناطقية في باقي تشكيلته، و التي لطالما سعى بما أتيح له من وسائل للتعديل عليها في التعديلين السابقين.
أما الآن وقد توضح لي متانة التخطيط الإستراتيجي المتوسط وطويل الأمد، فإنني أرى ان علينا ان نعطي الرجل فرصته للإستمرار في التطوير و ندعمه بأن نثق برؤيته. كيف لا وصاحب العرش نفسه؛ جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم، الذي لطالما امتلك رؤية ثاقبة و إضطر للتدخل بنفسه في الملفات الإستراتيجية و العلاقات الدولية، ها هو اليوم يفسح المجال بشكل اكبر للرزاز و يبقى مداخلاته محدودة لمنح رئيس الوزراء الدعم و الثقة التي قلّما وجد نفسه قادراً على توكيلها لرئيس وزراء بالمطلق . مع ذلك، نأمل ان يستمر الرزاز في تقييم أداء فريقه و يكون أكثر حزماً في المحاسبة والتغيير.