تأتي زيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى المنطقة والمحادثات التي اجراها مع زعماء اربع دول فيها مثقلة بتناقضاتها ذلك انها تقع ضمن المساعي التي تبذلها واشنطن لدعم حكومة نوري المالكي ( المتهمة بالرضوخ للسياسات الايرانية في العراق والمتمثلة بدعم كل الفئات المتحاربة طائفيا ) والعمل على اقناع دول الجوار بالتعامل الايجابي مع هذه الحكومة باعتبارها منتخبة وباعتبارها ايضا حكومة وحدة وطنيه والحصول على دعم عربي للسياسة الاميركية العاملة على الحد من النفوذ الايراني ولعل هذا ما يفسر زيارته لدولة الامارات التي تحتل ايران بعض اراضيها منذ حوالي الاربعين عاما اضافة لحث الدول التي يزورها على اقناع العرب السنة بالمشاركة بفاعلية في العملية السياسية بعد اقناع الاكثرية الشيعية بالتنازل للسنة عن بعض ما وصف بمكتسباتهم وذلك بالتزامن مع اشتداد المخاوف من دعم ايران المؤكد للعراقيين الشيعة، قد يغذي العنف المذهبي ويقود الى حرب بالوكالة تجري على الارض العراقية ويدفع ثمنها الابرياء من العراقيين وان كانت واشنطن تستبعد ذلك وترى انه صعب الحدوث ما يدفعها للمضي قدما في مخططاتها للسير بعملية المصالحة التي كان باشرها السفير الاميركي السابق في العراق زلماي خليل زاد في العراق التي تستند الى اسس إلغاء قراري بريمر بحل الجيش العراقي واجتثاث البعث.التناقض في الاهداف يبدو واضحا في السعي لدعم المالكي مع البحث عن كيفية حشد المنطقة عسكريا وسياسيا لمساندة واشنطن في حال اتخاذها قرارا ببدء العمليات العسكرية ضد ايران لتدمير قدراتها النووية .
والواضح ان الضغوط الاميركية على الفرقاء العراقيين قد اثمرت فهاهو عبد العزيز الحكيم يعلن ان المرجعية الدينية لتنظيمه هو السيد السيستاني في النجف الاشرف بدلا من خامنئي في طهران وهاهو طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي يحصل على بعض الصلاحيات الامنية لارضاء العرب السنه واستمالتهم للانخراط في العملية السياسية بشكل اكثر فاعلية وبما يتيح للقوات الاميركية التفرغ لمقاتلة تنظيم القاعده المتنامي النفوذ . غير ان ما يحصل على صعيد الداخل العراقي لا ينطبق على الحكومات التي ايدت المشروع الامريكي في العراق لكنها لم تحصل مقابل ذلك على اي ثمن ، ذلك ان الفوضى العارمه في عراق ما بعد صدام حسين احالت هذه الدولة المركزية في الاقليم الى مصدر خطر على هذه الدول وامنها واستقرارها اكثر من الخطر الذي كان يشكله نظام صدام اما القضية الفلسطينية التي راود البعض امل بحلها على يد الادارة الامريكية مقابل الدعم لحربها ضد نظام البعث العراقي فما زالت تراوح مكانها ان لم نقل ان اوضاعها ازدادت تعقيدا .
فالاردن يعتبر ان القضية الفلسطينية - وليس العراقية - اساس لاستقرار الشرق الاوسط وهو لذلك يكرس كل جهده السياسي لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي استنادا الى مقررات القمة العربية التي اعادت طرح مبادرتها للسلام وتركت الكرة في الملعب الاسرائيلي المحكوم بوزارة ضعيفة.
اما السعودية فانها تستشعر خطر التمدد الايراني الشيعي في الساحة العراقية وتنامي نفوذ طهران بين التنظيمات الموالية لنظام الملالي اضافة الى ما يشكله التقدم في مجال التصنيع النووي من اخطار تهدد المنطقة في ظل الرفض الدولي لامتلاك ايران صناعة نووية مرشحة في كل لحظة للتحول الى سلاح ذري محكوم بسياسات متشدده وغامضة ان لم نقل انها توسعية وعدائية.
أما دولة الامارات فهناك الدعم الواضح المقدم من الامارات للعرب العراقيين السنه خشية تنامي الدور الشيعي في هذه الدولة .
اما مصر فانها ايضا ترى في الواقع العراقي الراهن ما يهدد امن المنطقة ويزعزع استقرارها وهي الدولة التي خاضت اكثر من حرب ثم جنحت للسلام املا في استقرار المنطقة الذي يتيح لها التفرغ لبناء الرفاهية للشعب المصري الذي حرم منها خلال نصف القرن المنصرم وهي ايضا اعلنت اكثر من مرة مخاوفها من النفوذ الشيعي الذي وجد له في فقراء ارض الكنانة مرتعا خصبا والنتيجة المنطقية لكل ما تقدم ان فرص نجاح جولة تشيني على صعيد دول جوار العراق تبدو ضعيفة للغاية، لانه لا يملك الكثير الذي يمكن ان يغري مضيفيه لتلبية طلباته ولان ادارته لم تف بما وعدت ولكنها قد تكون ناجحة في ارض الرافدين حيث يمتلك القوة والنفوذ.